بالحكم الواقعي فهو مفروض الانتفاء في المقام ، أو العلم بالحكم الظاهري ـ بمعنى الحكم الفعلي الواجب اتّباعه شرعا ـ فهو أيضا منتف في حقّ المتجزّي ، إذ الغرض إثبات كون مؤدّى اجتهاده حكما فعليّا في حقّه وهو غير ثابت مع قطع النظر عن الرواية فهو غير عالم بحكمه الفعلي فلا يشمله الرواية ، ومعه فلو أراد الاستناد إليها تحصيلا للعلم بحكمه الفعلي كان مؤدّيا إلى نحو من الدور كما لا يخفى.
وحمل « العلم » على الأعمّ أو خصوص الظنّ وإن كان ممكنا غير أنّه لابدّ له من دلالة معتبرة توجب الصرف وحيث كانت منتفية ـ كما في المقام ـ كان الظاهر حجّة ، هذا مع أنّ السند ما لم يكن علميّا ـ ولو بحسب الشرع ـ امتنع التعويل عليه في خصوص المقام كما مرّ مرارا.
حجّة القول بالمنع من التجزّي وجوه :
منها : ما تقدّم بيانه مع دفعه من لزوم الدور ، ولعلّك تكتفي بما مرّ من غير حاجة إلى إعادة الكلام.
ومنها : أصالة المنع من العمل بالظنّ الثابت من العقل والعمومات الناهية عن الأخذ به كتابا وسنّة ، خرج عنه ظنّ المجتهد المطلق بالإجماع فيبقى غيره تحت الأصل ، إذ لم يقم دليل قطعي على حجّية ظنّ المتجزّي كما قام على حجّية ظنّ المطلق ، واتّضح جوابه ممّا قرّرناه بما لا مزيد عليه فلا حاجة إلى الإعادة.
ومنها : استصحاب وظيفته الثابتة له قبل صيرورته مجتهدا من التقليد وإن لم يكن قلّد فعلا لقلّة مبالاة ونحوها ، واستصحاب الأحكام الثابتة له بالتقليد.
ويرد عليه امور :
أوّلها : ما تفرّد بإيراده بعض الأفاضل من : « أنّ جواز احتجاج المتجزّي بالأصل المذكور أوّل الكلام ، إذ لا فارق بين إجرائه الاستصحاب في المقام أو في المسائل الفقهيّة ممّا يجري فيه ذلك ، فلا يصحّ الاستناد إليه هنا إلاّ بعد إثبات كونه حجّة في حقّه ، ومعه يتمّ المدّعى من جواز تعويل المتجزّي على مؤدّى اجتهاده ولو كان من مؤدّى الاصول ، فلا يبقى له مجال إلى الأصل المذكور حينئذ » (١).
ثانيها : أنّه قاصر عن إفادة تمام المدّعى لعدم شموله لمن بلغ متجزّيا ، إذ لم يجب عليه
__________________
(١) هداية المسترشدين ٣ : ٦٥٣.