ومن الكتاب قدر ما يتعلّق بالأحكام *
__________________
خصوصا في مقام بيان أحكام الله سبحانه ، حيث لا تعلّق لمقام إظهار البلاغة ببيان الأحكام أصلا ، بل المعلوم من طريقة الأئمّة عليهمالسلام أنّهم ما كانوا يراعون مقام الفصاحة والبلاغة إلاّ في مقام إنشاء الخطبة والدعاء والمناجاة ، ولذا يجد الذكيّ المتدرّب تفاوتا فاحشا بين الخطب والأدعية لاشتمالها على مزايا معنويّة وخواصّ بيانيّة لا تشبه بكلام الآدميّين أصلا المعتاد صدوره منهم في محاوراتهم ومخاطباتهم ، والثانية ليست في الغالب إلاّ نظير كلام الآدميّين بحيث لا يوجد فرق بحسب السبك والنظم والاسلوب بين الأجوبة الصادرة عنهم وبين الأسئلة الصادرة عن أصحابهم وغيرهم من رواة أخبارهم ، كما أنّه لا يقضي بامتناع صدور الفصيح بل الأفصح عن غيرهم خصوصا الكذّابة الواضعين للأحاديث الكاذبة الداسّين لها في أحاديثهم الصادرة عنهم الموجودة عند أصحابهم ، حيث إنّ المعلوم من ديدنهم بمقتضى النصّ والاعتبار غاية اهتمامهم في جعل موضوعاتهم بحيث يشبه الكلمات الصادرة عن الأئمّة عليهمالسلام لكونه آكد في التباس الأمر واشتباه الحال ، ولذا كان أصحاب الأئمّة عليهمالسلام حتّى الفضلاء منهم لا يعرفونها ولا يميّزونها عن أخبار أئمّتهم ، ولا يتفطّنون بوقوع الوضع والدسّ إلاّ ببيان الأئمّة عليهمالسلام لهم وتنبيههم عليهما وتمييزهم للموضوعات عن غيرها كما دلّت عليه نصوص مستفيضة تقدّم الإشارة إلى جملة [ منها ] ، فبملاحظة ذلك كلّه لا يبقى وثوق بكون الفصيح أو الأفصح من المتعارضين صادقا صادرا عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أو الإمام عليهالسلام وغيرهما كاذبا صادرا عن غيره من الوضّاعين ، فلو سلّمت غلبة مراعاتهم الفصاحة في مقام بيان الأحكام كانت معارضة بغلبة مراعاتها أيضا من الكذّابة ووضّاع الرواية ، بل الاعتبار بملاحظة ما ذكر ربّما يقضي بالترجيح على عكس القضيّة من تقديم الفصيح أو الأفصح كما لا يخفى.
* والتقييد بالقدر المذكور تنبيه على عدم وجوب معرفة الكتاب بأجمعه كما هو واضح الوجه وصرّح به في عبائر جمع.
قال في المنية : « ولا يشترط علمه بالكتاب أجمع ، بل بما يتعلّق بالأحكام الشرعيّة الفرعيّة منه ، وذلك نحو من خمسمائة آية ، أمّا ما عدا ذلك من الآيات الدالّة على البعث والنشور والقصص وأحوال القرون الماضية وكيفية إثابة المطيعين على طاعاتهم ومعاقبة العصاة على عصيانهم فلا » إلى آخره.