قد يكون حكما واقعيّا وقد يكون حكما ظاهريّا.
والّذي يتّفق كثيرا للفقهاء من التردّد والتوقّف في المسائل فإنّما هو بالنظر إلى الأحكام الواقعيّة لا الأحكام الفعليّة ، ولعلّ الشبهة نشأت عمّا تقدّم في تعريف الأكثر للاجتهاد من أخذهم فيه الظنّ ، وقد عرفت توجيهه عند دفع الإيراد عليه بخروج قطعيّات الفقه وموارد التعبّد ومجاري الاصول العامّة العمليّة.
ثمّ إنّه في فصل آخر صرّح بعدم اعتبار الملكة فيمن يستنبط الحكم الشرعي إذا كان متمسّكه الخبر الصحيح الصريح فقال : « الفصل الرابع : في إبطال القسمة المذكورة ، وقد تقدّمت الوجوه الدالّة عليه ، ونزيدك بيانا ، فنقول : يجوز لفاقد الملكة المعتبرة في المجتهد أن يتمسّك في مسألة مختلف فيها بنصّ صحيح صريح خال عن المعارض لم يبلغ صاحب الملكة أو بلغ ولم يطّلع على صحّته ، ولا يجوز له أن يتركه ويعمل بظنّ صاحب الملكة المبنيّ على البراءة الأصليّة أو على استصحاب أو عموم أو إطلاق » انتهى (١).
وفيه : أنّه إن أراد بالنصّ الصحيح الصريح ما يفيد القطع بحكم الله الواقعي النفس الأمري على وجه يكون بالقياس إليه حكما فعليّا ، فما ذكره حقّ ، غير أنّ الفرض لا يختصّ بكون سبب القطع هو النصّ ، بل هذا كلام يجري في جميع أسباب العلم. وإن أراد به ما عدا ذلك فما ذكره دعوى لا شاهد بها من عقل ولا نقل ، بل الدليل الشرعي وهو الإجماع ناهض بخلافه ، فإنّ تكليف فاقد الملكة في الصورة المفروضة هو الرجوع إلى صاحب الملكة جدّا.
ـ تعليقة ـ
إذا بلغ العالم رتبة الاجتهاد باجتماعه للشرائط المعتبرة فيه ولم يكن متجزّيا ـ بأن كان ذا ملكة عامّة وقوّة كلّية بالقياس إلى جميع المسائل ـ واجتهد في المسألة على الوجه المعتبر شرعا تعيّن عليه العمل بمؤدّى اجتهاده مطلقا ، ولم يجز له تقليد غيره في تلك المسألة ولو كان ذلك الغير أعلم منه إجماعا ، ولا مخالف في المسألة إلاّ جماعة من الأخباريّة لشبهات عرضت لهم ، ومحلّ خلافهم على ما أشرنا إليه سابقا الاجتهاد بالمعنى المصطلح المأخوذ فيه الظنّ ، فمرجعه إثباتا ونفيا إلى جواز التعويل على الظنّ الحاصل
__________________
(١) الفوائد المدينة : ٢٦٣.