إلاّ من فاز بقوّة قدسيّة تغنيه عن ذلك *
__________________
بل لا يزال نتائجه المجملة حاضرة في ذهن كلّ من له عقل وشعور حتّى العوام بل النسوان والصبيان ، خصوصا جملة من الأقيسة كالقياس الاستثنائي والشكل الأوّل من الاقتراني المدّعى كونه بديهيّ الإنتاج.
ألا ترى أنّه لو قيل : « إذا كان الغراب قد طار من الهوا فقد مات زيد » أو قيل : « كلّ عالم شريف ، فزيد شريف ، وهو ليس من العلماء » أو قيل : « زيد كاتب ، وكلّ كاتب خليفة السلطان ، فزيد خليفة السلطان » كانت الملازمة فاسدة ببداهة نظر كلّ من وصله هذا القول وكان من ذوي العقول والشعور ، كيف وامور معاش العقلاء بجميع وجوهها المختلفة وعناوينها المنضبطة لا تكاد تنتظم إلاّ باستدلالاتهم المحكمة المندرجة في فطريّاتهم وأظهر جبلّياتهم.
فالخوض في الفنّ بمزاولة مسائله وممارسة مطالبه ممّا لا يجدي إلاّ في تبدّل لباس الإجمال بلباس التفصيل ، وتعرّف الاصطلاحات الّتي تعين على أداء المركوز في الذهن بحسب الفطرة الأصليّة على وجه التفصيل ، وهذا كما ترى ممّا ليس له كثير مدخليّة في استنتاج المطلب الّذي هو الغرض الأصلي في مقام الاستدلال ، فإنّ العجز عن تحرير الدليل والتعبير عن أجزائه ومقدّماته الحاضرة في الذهن على جهة الإجمال بالألقاب المحرّرة في الصناعة ـ وهو أمر بين الخارج عنها والداخل فيها ـ لا يخلّ بالقوّة الراسخة في النفس المقتدر بها على إعماله.
ولا ريب أنّ كلّ من له هذه القوّة فهو محصّل للشرط المذكور ولا حاجة له معها إلى تكلّف مؤنة التحصيل توصّلا إلى جهة التفصيل.
نعم حيث إنّ الاجتهاد في هذه الأزمنة والأعصار صار من الصناعات المبتنية على الجدال الّذي لا يكاد يتأتّى إلاّ بالتعرّض للأقوال والقدح في أدلّتها تارة بالنقض والمعارضة والإصلاح لها اخرى بالتأويل والمعالجة ، فالحاجة ربّما تكون ماسّة بالخوض المؤدّي إلى معرفة تفاصيل اصطلاحات هذا الشرط.
* وهذا الاستثناء كما ترى لا يرتبط بسابقه إلاّ إذا كانت المعرفة المتقدّمة مرادا بها ما يحصل بطريق الكسب ، إذ لولاه لكان مفاده : أنّ الفائزين بالقوّة القدسيّة لا حاجة لهم في استدلالاتهم إلى مراعاة قوانين الإنتاج وشروطه ولو إجمالا ، بل يفيد أنّهم بقوّتهم القدسيّة بريئون