ووجود الأدلّة المفيدة له وتمكّن المكلّفين من النظر فيها ، مع ما ندرك بالوجدان من انتهاء النظر في أكثر هذه المطالب ولا سيّما إثبات الصانع وصفاته الثبوتيّة الّتي مرجعها إلى العلم والقدرة وصفاته السلبيّة الّتي مرجعها إلى نفي الحدوث والحاجة إلى القطع ، لابتنائه على قواعد منضبطة ومقدّمات قطعيّة وأسباب حسّيّة ، وأيّ دليل لإثبات الصانع وصفاته يكون أتقن وأوضح من لطائف صنع المصنوعات من الأرضين والسماوات وما بينهما من الأنفس والآفاق؟ كما أرشد إلى النظر فيها في الآيات المتكاثرة الّتي منها ما تقدّم ، وفي الروايات المتظافرة الّتي منها ما رواه الصدوق في جامع الأخبار مرسلا قال : وسئل أمير المؤمنين عليهالسلام عن إثبات الصانع ، فقال : « البعرة تدلّ على البعير ، والروثة تدلّ على الحمير ، وآثار القدم تدلّ على المسير ، فهيكل علوي بهذه اللطافة ومركز سفلي بهذه الكثافة فكيف لا يدلاّن على اللطيف الخبير ».
وقال عليهالسلام : « بصنع الله يستدلّ عليه ، وبالعقول يعقد معرفته ، وبالتفكّر يثبت حجّته ، معروف بالدلالات مشهود بالبيّنات ».
سئل جعفر بن محمّد الصادق عليهماالسلام ما الدليل على صانع العالم؟ قال : « لقيت حصنا مزلقا أملس لا فرج فيها ولا خلل ، ظاهره من فضّة مائعة وباطنه من ذهب مائع ، انفلق منه طاووس وغراب ونسر وعصفور ».
وفي إثبات الرسالة والوصاية المطلقتين أيّ برهان أتقن من افتقار الناس إلى رسول ثمّ إلى وصيّ بعده لئلاّ يكون لهم عليه تعالى حجّة؟ كما أشار إليه ما رواه في الكافي بسند فيه إرسال عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : قال أمير المؤمنين عليهالسلام : « اعرفوا الله بالله ، والرسول بالرسالة ، واولي الأمر بالأمر بالمعروف والعدل والإحسان » بناء على أنّ معناه : اعرفوا الله بصفات كماله بواسطة آثار صنعه وكمال قدرته ، وإنما اضيف إليه تعالى لأنّ ما يسند إلى المعلول يصحّ إسناده إلى العلّة ، وإنّ ربوبيّته تعالى تستلزم أن يرسل رسولا إلى من لم يوح إليه ، وينصب بعد الرسول أوصياء له ، وذلك لأنّ من عرف لنفسه ربّا يعرف أنّ لذلك الربّ رضا وسخطا يجب عليه موافقة رضاه وعدم التعرّض لسخطه ، وأنّه لا يعرف رضاه وسخطه إلاّ بوحي أو رسول ، فمن لم يأته الوحي لابدّ له من طلب الرسول ، فإذا طلبه وجدّ في طلبه عرف أنّه الحجّة وأنّ له الطاعة المفترضة ، وأنّه لابدّ من نصب وصيّ بعد الرسول وقبل مجيء رسول آخر لحفظ شرعه والأمر بالمعروف والعدل والإحسان لئلاّ يكون للناس