والتقبيح العقليّين من اصول الفقه بالمعنى الأعمّ الّذي قد ذكرنا أنّه لا مقتضي للإثم فيه.
ويمكن الذبّ عن الأوّل : بأنّ الحسن والقبح في الأشياء المذكورة وغيرها ممّا يندرج في مسألة التحسين والتقبيح ممّا يدركهما العقل بالاستقلال بشهادة العيان وبداهة الوجدان ، فهما من اليقينيّات المستندة إلى الوجدان وإنكارهما تكذيب للعيان ومكابرة للوجدان فيكون المنكر مقصّرا.
كما يمكن الذبّ عن الثاني : بأنّ الحكم العقلي من الحسن والقبح يلازم الحكم الشرعي من إيجاب أو تحريم أو غيرهما بملازمة بيّنة إجماعيّة ، على ما تقدّم في محلّه من أنّها ما يسلّمها الأشاعرة المنكرون للتحسين والتقبيح العقليّين على تقدير ثبوت الملزوم ، فالتقصير في نفي الملزوم يرجع إلى التقصير في نفي اللازم ، وهو في معنى تغيير حكم الله وتحليل حرامه فيكون قبيحا عقلا ونقلا ولو باعتبار اندراجه في الحكم بغير ما أنزل الله.
هذا غاية ما يمكن أن يقال في توجيه كلام الشيخ.
ويمكن الالتزام من قبله بالإثم في منكر الملازمة بين العقل والشرع مع القول بثبوت الملزوم كما تقدّم عن الفاضل التوني ومن تبعه ، وفي منكر حجّيّة إدراكات العقل كما عليه جماعة من الأخباريّة ، بناء على أنّ الحقّ في المسألتين لا يكاد يخفى على المتأمّل المراعي للإنصاف المجانب عن الاعتساف لكون الملازمة
بيّنة ، كحجّية إدراكات العقل إذا كانت بعنوان القطع واليقين فيكون عبارة عن انكشاف الواقع عند العقل فنفي حجّيته يؤول إلى التناقض وتجويز اجتماع المتناقضين.
وبالجملة فهاهنا مسائل ثلاث كلّها من قبيل المقدّمات الأوّليّة والقضايا الّتي قياساتها معها ، فالقول بكون مخالف الحقّ فيها مقصّرا غير معذور ليس ببعيد عن الصواب.
المسألة الثالثة
في التخطئة والتصويب في العقليّات الفروعيّة ، وهذا العنوان ممّا ليس له معنى محصّل إلاّ الفرعيّات المستندة إلى العقل ، وهي الأحكام الفرعيّة الّتي مدركها العقل ، فإن كان خطائه في المسألة الفرعيّة باعتبار الخطأ في المسألة الاصوليّة العقليّة فمع التقصير في الاصوليّة كان مقصّرا غير معذور في الفرعيّة ومع عدمه معذور.
وإن كان خطائه باعتبار الإهمال في إعمال الأصل العقلي الحاضر عنده فالظاهر كونه غير معذور أيضا.