وهل نزاع التخطئة والتصويب جار في الأحكام الظاهريّة المختلف فيها الّتي اخذ في موضوعها جهالة الحكم الواقعي ـ كعنوان مجهول الحكم لفقد نصّ أو إجماله أو تعارضه الّذي اختلف المجتهدون والأخباريّون في حكمه المجعول من حيث جهالة حكمه الواقعي هل هو البراءة والإباحة أو وجوب الاحتياط في الشبهة التحريميّة أو الشكّ في المكلّف به مع ثبوت التكليف يقينا ـ أو لا؟ وجهان : من اختصاص النزاع على ما بيّنّاه بالأحكام الواقعيّة وهذا حكم ظاهري ، ومن أنّ هذه أيضا مسألة اختلف العلماء في حكمها ، أو أنّ مجهول الحكم من حيث هو كذلك موضوع من الموضوعات الكلّية قابل لأن يجعل له حكم كلّي من البراءة أو الاحتياط ، فيجوز أن ينازع في أنّه هل لله تعالى في هذا الموضوع قبل اجتهاد المجتهدين لمعرفة حكمه حكم معيّن فمن أدركه فهو مصيب وغيره مخطئ ، أو ليس له تعالى فيه حكم معيّن بل حكمه المجعول تابع لرأي المجتهدين ومؤدّى اجتهادهم ، ولازمه أن يتعدّد على حسب تعدّد آرائهم؟
فعلى الأوّل يكون المصيب أحد الفريقين من المجتهدين والأخباريّين.
وعلى الثاني كلّ منهما مصيب.
ويزيّف وجه عدم جريان النزاع : بأنّ الحكم الواقعي الّذي يختصّ به النزاع هو الحكم الثابت لموضوعه في الواقع ونفس الأمر ، لا بمعنى الحكم المجعول للواقعة من حيث هي قبالا للحكم الظاهري ، وهو الحكم المجعول لها من حيث جهالة حكمها الواقعي.
ولا ريب أنّ كلّ حكم ظاهري مجعول فهو في موضوعه حكم واقعي بالمعنى المذكور ، وكونه حكما ظاهريّا إنّما هو باصطلاح آخر.
ولك أن تقول ـ بناء على كون الأحكام الظاهريّة أحكاما واقعيّة ثانويّة ـ : أنّ الحكم الواقعي الّذي هو موضوع المسألة أمكن كونه أعمّ من الواقعي الأوّلي والواقعي الثانوي ، فيعمّ النزاع للأحكام الظاهريّة أيضا بهذا الاعتبار.
هذا ، ولكنّ الإنصاف عدم صحّة إجراء النزاع فيها ، أمّا أوّلا : فلا بتناء الاختلاف في مسألة الاحتياط والبراءة والحظر والإباحة على التخطئة المبنيّة على أنّ لله تعالى في كلّ واقعة حكما معيّنا ليصحّ فرض جهالة الحكم الواقعي المأخوذ في موضوع الأحكام الظاهريّة ، فجهالة الحكم الواقعي المقتضية لوجود حكم واقعي في كلّ واقعة مع قطع النظر عن اجتهاد المجتهد ممّا لا يجامع القول بالتصويب.
وأمّا ثانيا : فلأنّ مسألة البراءة والاحتياط إن سلّمنا كونها من المسائل الفرعيّة