وإذا تمهّد هذا كلّه فاعلم : أنّ الأقوى بل الحقّ الّذي لا محيص عنه هو القول بالتخطئة بالمعنى الّذي عليه أصحابنا ، وهو أنّ لله تعالى في كلّ واقعة حكما مخصوصا ، وأنّ أحكام جميع الوقائع مخزونة عند أهل بيت العصمة عليهمالسلام ، وأنّ كلّ حكم اقتضت المصلحة إظهاره للامّة أظهروه وإن اقتضت إخفاءه لم يظهروه ، وأنّ كثيرا ممّا أظهروه ذهبت عنّا بالحوادث والأسباب الخارجيّة وأنّ من المجتهدين من صادف شيئا ممّا أظهروه فهو مصيب ، ومن صادف غيره مخطئ ولكنّه معذور غير آثم إذا استفرغ وسعه وبذل جهده وإن كان عليه دليل قاطع إذا لم يظفر به لو لم يكن في نظره قاطعا ولو لشبهة سبقت إليه ، وأنّه لا يجب أن يكون عليه دليل ظنّي في الظاهر فضلا عن القطعي.
والعمدة من دليله وجوه :
منها : الضرورة الكاشفة عن صدق الدعوى ومطابقة المدّعى للواقع ، المستكشفة بكون وجود حكم لله تعالى في كلّ شيء من القضايا المركوزة في الأذهان ، حتّى العوام والنسوان والصبيان تراهم يقولون عن اعتقاد يقيني في موارد كثيرة : أنّ حكم الله واحد ، ويتناكرون تعدّده بحسب الواقع ، فتكون القضيّة من الضروريّات الّتي قد تختفي على النظر لشدّة الضرورة فيها.
ومنها : الآيات الكتابيّة يكفي منها قوله عزّ من قائل : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) فإنّ إكمال الدين لا يتمّ إلاّ ببيان جميع ماله مدخليّة في الدين ومنه حكم كلّ واقعة ، وظاهر أنّ بيان الحكم مسبوق بجعله فيدلّ بالالتزام على أنّه تعالى جعل لكلّ واقعة حكما ، وقوله تعالى : ( ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ) وفيه تبيان كلّ شيء يدلّ ولو بمعونة الأخبار المفسّرة على ورود حكم كلّ شيء في الكتاب وإن لم يبلغ إلى أكثرها الأفهام القاصرة.
ومنها : الأخبار المتكاثرة على اختلاف طوائفها مع استفاضة كلّ طائفة منها بل تواترها ، كالنبويّ المرويّ بطرق الفريقين من قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي ، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا أبدا » فإنّ المراد من التمسّك بهما هو التمسّك في استعلام الأحكام ـ اصوليّة وفروعيّة ـ فلولا أنّه لكلّ شيء حكم وارد في الكتاب مستودع عند العترة الطاهرة لم يكن التمسّك بهما كافيا في الحفظ عن الضلال.
والأخبار المدّعى تواترها الواردة على اختلاف ألفاظها : « بأنّ لكلّ شيء حكما حتّى أرش الخدش فما دونه ».