حجّة المصوّبة ـ على ما في نهاية العلاّمة ـ كثيرة ونحن نقتصر منها على جملة يظهر بملاحظتها حال البواقي.
منها : ما ملخّصه : أنّه لو كان لله تعالى في الواقعة المبحوث عنها حكم معيّن لكان ما أنزل الله هو ذلك الحكم ، فيكون الحاكم بغيره عند الخطأ في الاجتهاد حاكما بغير ما أنزل الله فيكون فاسقا بل كافرا ، لقوله تعالى : ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ ) وقوله أيضا : ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ ) والتالي باطل للإجماع على عدم كفره ولا فسقه ، والمقدّم مثله.
والجواب : أنّه لو لم يكن لله تعالى في الواقعة المبحوث عنها حكم معيّن لكان الخطاب في الآيتين ونحوهما لغوا ، إذ المفروض انتفاء حكم منزّل من الله فيها ليجب الحكم به ويلزم كون الحكم بغيره حكما بغير ما أنزل الله فلا مصداق لموضوع الآيتين ، وهذا معنى ما ذكرناه من لزوم كون الخطاب لغوا ، والتالي باطل والمقدّم مثله.
فإن قيل : يكفي في تحقّق مصداق للآيتين وجود الحكم المجعول للعالمين به أو حدوث الحكم للمجتهدين بعد اجتهادهم واستقرار ظنّهم من مقتضى الأمارة القائمة بالواقعة ، فكلّ من الفريقين إذا أفتى بغير ما علمه من الحكم المجعول في حقّه كان حاكما بغير ما أنزل الله فيكون فاسقا وكافرا.
قلنا : الاعتراف بذلك نقض لأصل الاستدلال وجواب عنه ، لأنّ مرجعه إلى أنّ الخطاب في الآيتين ليس مع المجتهدين قبل اجتهادهم ، لعدم علمهم بالحكم المنزّل من الله في الواقعة ليلزم من حكمهم بغيره الفسق والكفر ، ومحصّله : أنّ الظاهر المنساق منهما الحكم بالفسق والكفر على من حكم بغير ما أنزل الله مع علمه بما أنزل الله.
هذا مع أنّ لنا أن نقول : إنّ من الحكم من الله (١) إنّما هو وجوب البناء على الظنّ والأخذ بالمظنون على أنّه الواقع ، وإذا حكم به المجتهد أو أفتى به لمقلّده كان حكما بما أنزل الله لا بغيره ، وعدم الحكم بغيره على تقدير مخالفة الظنّ للواقع إنّما هو من جهة العذر وهو الجهل به فلا يكون آثما ليوجب الفسق والكفر.
ومنها : أنّه لو أخطأ المجتهد لزمه العمل بمقتضى ظنّه ، وحينئذ فإمّا أن يلزمه ذلك مع بقاء الحكم الواقعي في حقّه فيلزم التكليف بالمحال أو اجتماع الضدّين وكلاهما محالان ،
__________________
(١) كذا في الأصل ، والصواب : « إنّ من الحكم بما أنزل الله » الخ.