يطّلع عليه في الاجتهاد الأوّل فلا يبقى له ظنّ بصحّة ما حكم به أوّلا.
وثانيهما : أنّ ظنّ صاحب القوّة القويّة أقرب إلى إصابة الواقع من غيره ، ولذا يقدّم الأفضل على المفضول في التقليد ، فيكون المتّبع ظنّه الحاصل من الاجتهاد الثاني فلا بدّ لتحصيله من ذلك الاجتهاد.
وقد يجاب عن الأوّل : بدفع احتمال الاطّلاع بأصالة عدمه.
والأولى أن يجاب : بمنع مصادمة الاحتمال المذكور بالظنّ السابق ، مع أنّه عبارة اخرى لاحتمال وجود المعارض الّذي لا مدخل في قيامه لازدياد القوّة ، مع عدم مصادمته للظنّ الحاصل بالاجتهاد ، وإن صحّ الفرض في بعض الأحيان فلا كلام.
والجواب عن الثاني : بأنّ وجوب الأخذ بالظنّ الأقرب إنّما يسلّم في الظنّ الفعلي المخالف لغيره ، وحصول ظنّ مخالف للظنّ الأوّل بالاجتهاد الثاني غير معلوم ، ومجرّد احتماله لا يؤثّر في وجوب اجتهاد آخر بعد سقوط التكليف به بالاجتهاد الأوّل ، وبالتأمّل في ذلك يظهر بطلان المقايسة على تقديم الأفضل في التقليد ، فإنّه إنّما يسلّم في موضع العلم بمخالفة المفضول للأفضل في الرأي لا مطلقا.
وينبغي التنبيه على امور :
أحدها : أنّ الاجتهاد في الموضوعات حيثما كان مشروعا كالاجتهاد في الأحكام في عدم وجوب التكرير فيه عند تجدّد الواقعة ، كما إذا اجتهد في طلب القبلة لصلاة فحضرت اخرى ، أو في طلب الماء للتيمّم مرّة لصلاة أيضا فحضرت اخرى أو غير ذلك ، للأصل واستصحاب الآثار المترتّب على الموضوع المحرز بالاجتهاد الأوّل إلاّ أن يقوم عليه دليل في خصوص مورد ، والنظر في وجوده والعدم في خصوص الموارد من وظيفة الفقيه ، والظاهر عدم ابتناء وجوبه فيها على القول بوجوب تجديد النظر في الأحكام ـ وإن كان قد يحكى القول بوجوبه هنا على القول بوجوبه ثمّة ، وعدم وجوبه هنا على القول بعدم وجوبه ثمّة ـ لوضوح منع الملازمة كما نصّ عليه بعض الأفاضل (١).
ثانيها : لا ينبغي التأمّل في جواز تجديد النظر وتكرير الاجتهاد في المسائل المجتهد فيها ولو مرارا على القول المختار ـ من عدم وجوبه ـ للأصل وعدم دليل على المنع بل الظاهر أنّه موضع وفاق ، بل عن النهاية وشرح الزبدة للفاضل الجواد دعوى الإجماع عليه.
__________________
(١) هداية المسترشدين ٣ : ٧٠٥.