فيقبح خطابه في الفروع أيضا.
وينبغي التنبيه على امور :
أحدها : أنّه لا فرق في جواز التقليد لمن لم يبلغ رتبة الاجتهاد في المسائل الفرعيّة بين أن يكون المسألة اجتهاديّة مبتنية على الأمارات الظنّية أو لا ، بأن يكون عليها دلالة قاطعة كما عن المعارج والمبادئ والتهذيب وشرح المبادي لفخر الإسلام ، وهو ظاهر الأصحاب في إطلاق تجويزهم التقليد له.
وفي المفاتيح دعوى الشهرة العظيمة وظهور عدم الخلاف بين أصحابنا القائلين بجواز التقليد.
وعن أبي عليّ الجبائي القول بالفرق ، فجوّز التقليد في المسائل الاجتهاديّة دون ما عليه دلالة قاطعة ، محتجّا بأنّ الحقّ فيما ليس من مسائل الاجتهاد واحد فتجويز التقليد فيه يستلزم عدم الأمن من التقليد في خلاف الحقّ ، بخلاف مسائل الاجتهاد لتصويب كلّ مجتهد فيها.
ويدفعه : إطلاق الأدلّة ولا سيّما الإجماعات المنقولة ، بل تحقّق الإجماع العملي على التقليد فيهما معا ، ويكفي في ضعفه أنّ تشخيص موارد وجود الدلالة القاطعة عن غيرها لا يتأتّى إلاّ من المجتهد ، لابتنائه على اجتهاد تامّ يستغرق برهة من وقت العمر ، وهو متعذّر لكثير من العوامّ ومتعسّر للباقين ، مع قصور أكثر العوامّ عن إعمال النظر في الأدلّة القطعيّة وإحراز ما له دخل في قطعيّتها من المقدّمات بعد تشخيص موارد وجودها ، إلاّ أن يراد من الدلالة القاطعة ما ليس من القطعيّات النظريّة كالضرورة ونحوها.
ويرد عليه حينئذ : أنّ مثل هذه الدلالة القاطعة خارجة عن مورد التقليد خروجا موضوعيّا ، ولا يعقل فيه الإخراج الحكمي ليكون قولا بالفرق في المسألة ، هذا مع وضوح فساد مستنده.
أمّا أوّلا : فلبطلان التصويب في مسائل الاجتهاد ، وعلى التخطئة ـ كما هو الصواب ـ فعدم الأمن من التقليد في خلاف الحقّ مشترك اللزوم.
وأمّا ثانيا : فلقيام احتمال الإفتاء بخلاف الحقّ في مسائل الاجتهاد أيضا ، لجواز ترك الاجتهاد فيها رأسا أو التقصير فيه أو الإفتاء بغير ما أدّى إليه اجتهاده لكذب أو سهو أو نسيان أو نحو ذلك ممّا يوجب عدم الأمن من التقليد في خلاف الحقّ في مسائل الاجتهاد أيضا حتّى على التصويب ، إلاّ أن يدفع ذلك بعدالة المفتي وغيرها من الاصول النافية لنحو الاحتمالات المذكورة.