يؤخذ به على وجه الطريقيّة كما هو مفاد إناطة الأمر بالأقربيّة.
ويدفعه : أنّ أخذ قول الغير من حيث هو في معنى التقليد للتنبيه على أنّ المقلّد في أخذه بذلك القول لا يتحرّى في طلب الدليل التفصيلي الّذي نشأ منه ذلك القول ، واللازم منه كون وسطه كونه قولا للغير ، وأخذ الأقربيّة في محلّ التقليد إنّما هو لنفي اعتبار الأبعد كقول غير الفقيه الجامع للشرائط ، مع التنبيه على عدم كون مصلحة الواقع في جعل قول الفقيه مرجعا للمقلّد ملغاة في نظر الشرع والعقل وهذا لا ينافي الموضوعيّة ، لا بمعنى أن يحدث بسبب قيام أمارة الفتوى بالواقعة مصلحة فيها مقابلة لمصلحة الواقع مغيّرة للحكم ليلزم منه التصويب الباطل ، بل بمعنى أنّه قصد من الأمر بسلوكها إدراك مصلحة الواقع والوصول إليه مع اشتماله على مصلحة يتدارك بها ما فات من مصلحة الواقع على تقدير عدم إصابتها الواقع ، كما هو الحال في الأمارات المجعولة للمجتهد لئلاّ يلزم الظلم على الشارع بتفويته مصلحة الواقع على المكلّف بلا مصلحة متدارك بها ، كما يلزم ذلك على تقدير جعلها من باب الطريقيّة ، وهذا هو المراد من اعتبارها من باب الموضوعيّة.
وإن شئت سمّه بشبه الموضوعيّة من حيث كونه برزخا بين الموضوعيّة والطريقيّة كما أو مأنا إليه في المباحث المتقدّمة.
وبالجملة فرق واضح بين معقد اصطلاحهم في التقليد ومورد الأدلّة المقامة على مشروعيّته ، ويختلف الحال في ذلك باعتبار الحيثيّة ، فقول المجتهد إن اخذ من حيث ذاته ومع قطع النظر عن الدليل الّذي هو مدرك القول ومنشائه كان داخلا في مفهوم التقليد بحسب العرف والاصطلاح ، وإن اخذ من حيث وصفه وهو الأقربيّة كان موردا للأدلّة المقامة على مشروعيّة التقليد من العقل والشرع ، ومرجعه إلى أنّ أدلّة مشروعيّة التقليد إنّما قضت بجواز الأخذ بقول الغير من غير دليله التفصيلي إذا كان أقرب إلى الواقع لا مطلقا ، ولا يكون ذلك إلاّ قول المجتهد الجامع لشرائط الإفتاء ، فلا تدافع بين الاعتبارين.
وثالثها : أنّ التقليد المشروع ـ على ما ظهر من تضاعيف المسألة ـ مخصوص بالمكلّف الغير البالغ رتبة الاجتهاد ، عاميّا كان أو فاضلا عارفا بطرف من العلوم ، وأمّا غيره البالغ رتبته المعبّر عنه بصاحب ملكة الاستنباط فإن كان بحيث اجتهد في المسائل فعلا وكان مطلقا فلا إشكال في أنّه لا يجوز له التقليد قولا واحدا وعليه الإجماع بقسميه من المحصّل والمنقول مستفيضا ، ومدركه الكبرى المتحصّلة للمجتهد بموجب الأدلّة القاطعة الناطقة