وقد سبق البحث مشروحا في جميع هذه المسائل في مباحث الاجتهاد ولا حاجة هنا إلى الإعادة والتكرار.
ورابعها : أنّ التقليد المشروع للعامي ومن بحكمه هل هو على التخيير بينه وبين العمل بالاحتياط مع إمكانه كما هو الأصحّ ، أو على التعيين؟ فلا يجزيه الاحتياط ولا يجوز البناء عليه كما عن ظاهر الأكثر ، ويوهمه إطلاق إجماعاتهم المنقولة على بطلان عبادات الجاهل وعمل تارك طريقي الاجتهاد والتقليد ، وعلى وجوب معرفة واجبات الصلاة ومستحبّاتها ليقع كلّ على وجهه ، وما عن المتكلّمين من إطباقهم على وجوب معرفة واجب كلّ عبادة ومستحبّه ليقع كلّ على وجهه.
وهذا هو الكلام في الجهة الثانية من الجهتين المتقدّم إليهما الإشارة ، غير أنّه لا يختصّ بالمقلّد بل يجري في المجتهد أعني صاحب ملكة الاستنباط الّذي طريقه المشروع هو الاجتهاد ، فيقال : هل هو على التخيير بينه وبين العمل بالاحتياط أو على التعيين؟ فالعنوان العامّ الجامع لهما هو أنّ المكلّف بسلوك أحد الطريقين هل يجوز له ترك هذا الطريق وسلوك مسلك الاحتياط أو لا؟
وإنّما قيّدنا العنوان بتارك الطريقين إذ لا إشكال بل لا خلاف لأحد في غير صورة الترك في حسن الاحتياط ورجحانه بل وجوبه أيضا في بعض الأحيان ، كالمجتهد في المسائل المتردّد فيها لفقد نصّ أو إجماله أو تعارضه ، وكالمتجزّئ إذا لم يؤدّ اجتهاده في المسألة الفرعيّة إلى القطع بالحكم وعجزه عن إقامة الدلالة القاطعة في المسألة الاصوليّة على عمله بظنّه ولا ظنّ غيره ، وكالمطلق بعد فراغه من الاستنباط أو المقلّد له بعد استكماله التقليد فيحسن لهما الأخذ بطريقة الاحتياط في مظانّ مخالفة الفتوى له.
وعلى هذه الصورتين ينزّل القضيّة المشهورة المتسالم فيها المعبّر عنها : « بأنّ الاحتياط حسن على كلّ حال » دفعا لمنافاتها الإشكال والخلاف الّذي عنون لأجله المسألة إن كان.
ثمّ من الظاهر اختصاص الإشكال أو الخلاف ـ على فرض ثبوته ـ بالاحتياط المعمول به في العبادات بالمعنى الأخصّ وهو ما اعتبر في صحّته النيّة وقصد القربة ، وأمّا المعاملات بالمعنى المقابل لها سواء كان ممّا بنى مشروعيّته على ورود الأمر به إيجابا أو ندبا كالواجبات والمندوبات التوصّلية أو لا كالعقود والإيقاعات فينبغي القطع بجواز ترك الطريقين وسلوك طريقة الاحتياط فيها ، فالمريد لغسل المتنجّس مثلا يحتاط فيغسله مرّتين ، والقاصد لإجراء