إحداهما قبلة وهو متمكّن من تحصيل العلم بها ويتركه اكتفاء منه في أداء الصلاة إلى القبلة بالاحتياط المقتضي للجمع والتكرار ، حيث إنّ الامتثال في نحو المثال صادق مع الموافقة الإجماليّة ولا يصحّ المؤاخذة على تفويت الموافقة التفصيليّة مع إمكانها.
وبالتأمّل فيما ذكرناه يظهر بطلان ما قد يفصّل في المقام من أنّه إن قلنا بكون الامتثال من قيود المأمور به في نحو قوله تعالى : ( أَقِيمُوا الصَّلاةَ ) فالأقرب الاكتفاء بالامتثال الإجمالي تمسّكا بإطلاق الأمر بالقياس إلى قسمي الامتثال ، وإن قلنا بكونه من أغراض الآمر فلا سبيل إلى التمسّك بالإطلاق.
وحينئذ فالأحوط بل المتعيّن مراعاة الامتثال التفصيلي ولو ظنّا عملا بقاعدة الاشتغال ، فإنّ كون الامتثال من قيود المأمور به غير معقول ، إلاّ أن يفسّر بغير ما فسّرناه وهو غير واضح ، ومع فرض كونه من قبيل الأغراض فقد عرفت أنّه حاصل وصادق مع الموافقة الإجماليّة ولا يقبل التخصيص بالجهة.
وأمّا الثالث والرابع : فلأنّه قد تقرّر في محلّه من مباحث الواجب من باب الأوامر من الكتاب عدم اعتبار شيء من قصد الوجه ومعرفته في صحّة العبادة على أن يكونا من قيود المأمور به ـ ويكفي في نفي اعتبارهما الأصل والإطلاق مع عدم دليل مخرج عنهما ـ ولا على أن يكونا من شروط صدق الامتثال ، بل الدليل ناهض بخلافه وهو السيرة القطعيّة المتّصلة بأعصار أهل العصمة من النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمّة عليهمالسلام الكاشفة عن رضاهم.
وتمام الكلام في تقرير السيرة عند تحقيق المسألة في الفقه أوردناه في مباحث نيّة الوضوء من كتاب الطهارة (١) مع أنّ قصد الوجه على ما يظهر من دليل معتبريه إنّما اعتبر لكونه من شروط الامتثال لا من قيود العمل ، والقدر المسلّم من مدخليّته في الامتثال إنّما هو حيث يتوقّف عليه التعيين الّذي هو في الحقيقة من شروط الامتثال ، فقصد الوجوب أو الندب المتوقّف عليه التعيين المتوقّف عليه الامتثال إنّما يجب بشرطين أحدهما : اشتراك العبادة ، وثانيهما : انحصار مميّز العبادة المشتركة في ذلك القصد.
وأمّا إذا كان هناك مميّز آخر ـ ولو نحو العنوان الّذي وجبت أو استحبّت لأجله أو بسببه العبادة ـ فقصد هذا المميّز كاف في التعيين وصدق الامتثال ولا حاجة معه إلى قصد الوجوب والندب ، مثلا لو وجب على الإنسان ركعتان من الصلاة احتياطا أو بسبب النذر
__________________
(١) ينابيع الأحكام في معرفة الحلال والحرام ( مخطوط ).