الدليل في اصول الدين لتصحيح العقائد من غير جدال أو معه من غير اشتماله على المراء منهيّا عنه كما هو واضح.
الجهة الثانية
أنّ جواز النظر حسبما بيّنّاه إنّما هو على وجه الوجوب ، على معنى تحتّم فعله المتضمّن للمنع من تركه لا إلى بدل ولا عن عذر ، قبالا لتساوي فعله وتركه.
لنا على ذلك : قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل وإزالة خوف العقوبة عن النفس الّذي لا يتأتّى إلاّ به ، بالبيان المتقدّم في تضاعيف بحث التحسين والتقبيح العقليّين ، مضافة إلى قاعدة وجوب شكر المنعم المتوقّف على المعرفة الّتي لا تتمّ إلاّ بالنظر ، وإن رجع بالأخرة أيضا إلى دفع الضرر المحتمل وإزالة خوف العقوبة حسبما قرّرناه أيضا في البحث المذكور.
وهذه القاعدة وإن كانت أعمّ موردا من القاعدة الاولى لشمولها من لم يبلغه صيت الإسلام إذا التفت وتفطّن إلى ما عليه من النعم وأنّه لا بدّ لها من منعم ، إلاّ أنّ الاولى أوضح في تصوير حصول الخوف للنفس كما نبّهنا عليه في المبحث المذكور.
ولذا اورد على الثانية المناقشة تارة : بمنع استلزام مجرّد التجويز حصول الخوف.
واخرى : بأنّه ربّما يحصل لبعض الناس دون بعض فلا وجه للإطلاق ، كمن قلّد محقّا وجزم به واطمأنّ نفسه وإن فرض احتمال التضرّر بالتقليد فهو لا يوجب الخوف ، ولو فرض حصوله فقد يزول بما ظنّ به ، إذا شكره على حسب ما ظنّ به. وإن كان الجميع واضح الدفع بأنّ : المقصود إثبات وجوب النظر عقلا في الجملة وإن أغنى عنه التقليد في بعض الأحيان قبالا لمن أطلق القول بالتقليد في اصول الدين ، وستعرف أنّ الأقوى كفاية التقليد المحصّل للمعرفة والعلم الّذي معياره انكشاف الواقع على ما هو عليه من دون احتماله الخلاف في نظر المكلّف بتحصيل المعارف.
ثمّ إنّ زوال الخوف بالتقليد الظنّي أو الاعتقاد الظنّي الناشئ عن أمارة ظنّية اخرى إذا شكره حسبما ظنّ إنّما يتمّ إذا صحّ له الاستناد إلى أصل البراءة من حيث كونه حكما عقليّا ، ولا يتمّ ذلك إلاّ بالفحص والنظر المستتبع للعجز عن الوصول إلى الواقع بطريق علمي لا مطلقا ، إذ العقل إنّما يحكم بالبراءة على وجه يزول معه الخوف على هذا التقدير لا مطلقا.
وهذا الفرض على تحقّقه مقام آخر خارج عن موضوع المسألة ، وسنشير إلى حكمه تكليفا ووضعا بحسب أحكام الدنيا والآخرة.