ما هو اللائق بحال المنعم وهذا يستدعي معرفة تفصيليّة ، وكون التعليم أو الإلهام أو تصفية الباطن ممّا يحصل به المعرفة على فرض تسليمه لا ينفي مقدّميّة النظر غاية الأمر كونه أحد أفراد المقدّمة ، مع أنّ التعليم إن اريد به تلقين الغير للعقائد فهو غير خارج عن حدّ التقليد فيما لا يوجب العلم على ما هو الغالب ، والإلهام على تقدير جوازه ووقوعه في حقّ [ غير ] الأنبياء باعتبار كونه فعل الله عزّ وجلّ من المقدّمات الخارجة عن مقدور المكلّف فلا تأثير له في نفي المقدّميّة ولا منع حكمها عن المقدّمة المقدورة ، وتصفية الباطن بالمجاهدات وإن كانت لذاتها من مقدورات نوع الإنسان إلاّ أنّها لغاية صعوبة مبادئها على وجه لا يتحمّلها غالب آحاد النوع بل لا يتأتّى عن الأكثر مندرجة في عداد الغير المقدورات فلا يلتفت إليها في نظر العقل ، فانحصرت المقدّمة المقدورة العادية بالقياس إلى جميع آحاد النوع في النظر.
وعن الرابع : بما حقّق في محلّه من وجوب ما لا يتمّ الواجب إلاّ به.
احتجّ المنكرون لوجوب النظر الموجبون للتقليد بوجوه :
منها : لزوم الدور لو وجب النظر ، وتقريره ـ على مذهب الأشعري النافي لحكومة العقل ـ : أنّ وجوب النظر في معرفة الله المفروض استفادته من إيجابه تعالى موقوف على معرفة الله تعالى ، وأنّه هل يجب اتّباعه أم لا؟ ومعرفته كذلك موقوفة على وجوب النظر في معرفة الله المفروضة.
وعلى مذهب العدليّة : أنّ وجوب النظر في معرفة الله نظريّ موقوف على النظر في دليل ذلك ، وهو نظر آخر فيجب ذلك النظر ، ووجوبه موقوف على وجوب النظر في معرفة الله ، إذ لو لم يجب النظر في معرفة الله لم يجب النظر في دليل وجوب النظر في معرفة الله.
ويندفع الأوّل : بأنّ وجوب النظر عندنا عقليّ فلا يتوقّف على استفادته من إيجابه تعالى ، مع إمكان دفعه على طريقة الأشعري أيضا : بمنع توقّف معرفة الله على وجوب النظر ، بل إنّما يتوقّف على وجوده أعني النظر نفسه ، ويكفي في حصوله والتحريك إلى الإقدام عليه عروض خوف العقوبة للنفس الحامل له على النظر وإن لم نقل بحكومة العقل.
ويندفع الثاني : بمنع توقّف وجوب النظر في معرفة الله على النظر في دليل وجوب النظر ، بل إنّما يتوقّف على وجوب إزالة الخوف عن النفس ، أو على وجوب معرفة الله المتوقّف على وجوب شكر المنعم ، فإنّ وجوب المقدّمة يتوقّف على وجوب ذيها لا غير.
نعم إنّما يتوقّف عليه العلم بوجوب النظر في معرفة الله ، وهو ليس من جملة النظر في