وامّي فما معرفة الله؟ قال : « معرفة أهل كلّ زمان إمامهم الّذي يجب عليه طاعته » إلى آخره.
وإنّما فسّر معرفة الله بمعرفة إمام الزمان لأنّ من عرف الإمام بوصف الإمامة ومن حيث إنّه مفترض الطاعة ـ لا بوصف الالوهيّة ولا من حيث الخالقيّة والرازقيّة والإحياء والإماتة كما عليه الغلاة والمفوّضة ـ فقد عرف الله بوصف الالوهيّة وبالوحدانيّة في ذاته وصفاته وأفعاله واستحقاقه العبادة.
ويمكن أن يكون وجهه أنّ من عرف إمام زمانه المنصوب من النبيّ عن الله سبحانه فقد عرف الله بصفاته الكماليّة الّتي منها عدله وحكمته المقتضية لئلاّ يهمل أمر الإمامة لكونه إخلالا باللطف الواجب عليه تعالى وهو قبيح ، ولئلاّ ينصب إماما مفضولا غير معصوم لكونه تفضيلا للمفضول على الفاضل وهو أيضا قبيح.
ومن الثالث : الأخبار الدالّة عليه عموما ، كقول العالم عليهالسلام : « من شكّ أو ظنّ فأقام على أحدهما فقد حبط عمله ، إنّ حجّة الله هي الحجّة الواضحة » وخصوصا كقوله : « ما أعلم شيئا بعد المعرفة أفضل من هذه الصلوات الخمس » بناء على أنّ الأفضليّة من الواجب خصوصا مثل الصلاة تستلزم الوجوب ، وقوله عليهالسلام : « من دخل في الإيمان بعلم ثبت فيه ونفعه إيمانه ، ومن دخل فيه بغير علم خرج عنه كما دخل فيه » وقوله عليهالسلام : « من أخذ دينه من كتاب الله وسنّة نبيّه زالت الجبال قبل أن يزول ، ومن أخذ دينه من أفواه الرجال ردّته الرجال » وقوله عليهالسلام : « إيّاك أن تنصب رجلا دون الحجّة فتصدقه في كلّ ما قال » وقوله عليهالسلام : « إيّاك وخصلتين ففيهما هلك من هلك ، إيّاك أن تفتي الناس بغير علم ، وأن تدين الله بما لا تعلم » إلى غير ذلك من الأخبار المتكاثرة الآمرة بمعرفة الله وغيرها من المعارف.
الجهة الرابعة
المشهور بين العلماء المدّعى عليه الإجماع في كلام جماعة من الخاصّة والعامّة عدم جواز التقليد في اصول الدين على ما تقدّم بيانه ، ومرجعه إلى وجوب النظر المفيد للعلم على التعيين وعدم بدليّة غيره عنه وهو الأصل ، وقد شاع بينهم الاستدلال عليه بما دلّ من الآيات المتكاثرة على ذمّ الكفّار في تقليدهم لآبائهم وأسلافهم كقوله تعالى : ( ما يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ ) وقوله : ( وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ ) وقوله : و ( قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا ) وقوله في غير موضع : ( إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ ).