وبعده الاستصحاب ، ولا بأس بأخذ لزوم الهرج والمرج مؤيّدا له.
ثمّ إنّ ظاهر بعض العبارات كعبارتي النهاية والمنية اعتبار العمل في محلّ النزاع ، وقضيّة ذلك أنّه لو أخذ المسألة من المجتهد الأوّل ولم يعمل بها بعد حتّى عدل عنه إلى مجتهد آخر كان ذلك العدول جائزا على القول بالمنع أيضا على تقدير العمل ، ومبنى ذلك إمّا على أخذ العمل في مفهوم التقليد فما لم يلحقه عمل ليس تقليدا حتّى يحكم عليه بمنع العدول ، أو على كون العمل ملزما للتقليد ، فهو مع عدم لحوق العمل ليس
بلازم حتّى يمنع من العدول عنه ، ولعلّ وجهه عدم لزوم المخالفة القطعيّة العمليّة مع عدم لحوق العمل ، وإن كان يلزم المخالفة الالتزاميّة.
والتحقيق : أنّ التقليد ينعقد بدون العمل كما تقدّم في محلّه ، وإنّ العمل كما لا مدخليّة له في مفهوم التقليد فكذا لا مدخليّة له في لزومه أيضا كما أشرنا إليه أيضا ثمّة ، وعليه فلو أخذ المسألة من مجتهد والتزم بها كان تقليدا لذلك المجتهد ولم يجز العدول عنه إلى غيره مطلقا وإن لم يعمل بها بعد لعموم الأصل والاستصحاب.
ثمّ إنّه قد أشرنا إلى أنّ مسألة العدول عن التقليد إنّما بالنسبة إلى المسألة المقلّد فيها ، وأمّا المسائل الغير المقلّد فيها ففي جواز الرجوع فيها إلى مجتهد آخر بعد تقليد غيره في غيرها وهو المسمّى بالتبعيض في التقليد خلاف آخر ، أشار إلى وجوده في محكيّ المقاصد العليّة والنهاية والمنية ، حيث جعل الأوّل الجواز أصحّ الأقوال ، والثاني حكى المنع منه عن بعضهم ، والثالث عزاه إلى قوم ، إلاّ أنّ الأكثر هنا على الجواز كما نسب إليهم صريحا في المنية.
وحاصل عنوان المسألة أنّه إذا قلّد العامي مجتهدا في حكم مسألة أو أزيد فهل يجوز له تقليد غيره ممّن يساويه في الفضل في بقيّة المسائل الّتي يبتلى بها ويحتاج إلى التقليد فيها أو لا؟ بل يجب تقليد ذلك المجتهد في جميع المسائل فالأكثر إلى الأوّل وهو المعتمد.
لنا : وجود المقتضي وانتفاء المانع.
أمّا الأوّل : فهو الحجّية الذاتيّة لقول كلّ من المجتهدين الثابتة من إطلاق أدلّة مشروعيّة التقليد وعمومها ، ولذا يحكم العقل فيه مع تعدّد المجتهدين وتساويهم بالتخيير من غير اختصاص له بفتوى كلّ [ من المجتهدين ] في جميع المسائل ، بل عمومه له ولفتوى البعض في بعض المسائل وفتوى البعض في البعض الباقي ، وإلى ذلك ينظر استدلال المجوّزين بأنّ كلّ مسألة لها حكم مختصّ بها ، فكما لم يتعيّن في المسألة الاولى اتّباع شخص معيّن بل