فالوجه فيه البناء في تلك المسائل على تقليد ذلك المجتهد الحيّ الّذي هو أحد المجتهدين إن تمكّن من استعلام رأيه فيها ، فإن كان هو الّذي قلّده أوّلا كان ذلك بقاء على تقليده وإلاّ كان عدولا عن تقليد الميّت إلى الحيّ ولا محذور في شيء من ذلك.
نعم لو كان ناسيا لحكم المسائل المقلّد فيها ولم يتمكّن من استعلام رأي الحيّ أو كان ذاكرا له ولكن لا يعلم أنّه على حسب رأي الميّت أو على حسب رأي الحيّ ولم يتمكّن من استعلام رأيهما الآن فلم يكن له مندوحة من الرجوع إلى مجتهد ثالث ، وحينئذ فمقتضى القاعدة هو وجوب العدول ترجيحا لدليله ـ وهو الإجماع المنقول على عدم جواز تقليد الميّت المتناول الاستدامة ـ على دليل البقاء وهو الأصل المانع من العدول عن التقليد ، ضرورة أنّ المحذورين عند دوران الأمر بينهما إذا كان مستند أحدهما الدليل الاجتهادي ومستند الآخر الأصل تعيّن الأخذ بالأوّل قضيّة لورود الدليل على الأصل أو ترجيحا له عليه ، ولا حكم للعقل معه بالتخيير ، ولا يلزم بتعيين الأخذ به ترجيح بلا مرجّح ، وكذا الحكم فيما لو كان المحذوران من باب الواجب والحرام لا الوجوب والحرمة ، كما لو علم أنّه قلّد في عدّة مسائل المجتهد الميّت وفي اخرى المجتهد الحيّ الموجود غير أنّهما اشتبهتا فلا يدري أنّ في أيّتهما يجب العدول وفي أيّتهما يجب البقاء؟ فقضيّة ترجيح ما ثبت وجوبه بالإجماع هو العدول في الجميع إلى حيّ ثالث يتمكّن من الرجوع إليه مع فرض عدم تمكّنه من الرجوع إلى الحيّ الّذي هو أحد الأوّلين ونسيانه فتاواه في تلك المسائل ، وإلاّ وجب تقليده فيها لعدم خلوّه عن كونه بقاء في جملة وعدولا في اخرى.
فرع
لو قلّد مجتهدا في مسألة فنسي أصل التقليد في تلك المسألة لا الحكم المقلّد فيه فرجع فيها إلى مجتهد آخر باعتقاد أنّه ابتداء تقليد ثمّ تذكّر بعد الأخذ والعمل تقليده السابق ، فهل يجب عليه البقاء على هذا التقليد الثاني أو يجب عليه العدول إلى التقليد الأوّل؟ وجهان : من أنّ النسيان عذر أوجب امتناع التقليد الأوّل فسقط حكمه وتوجّه إليه حكم التقليد الثاني كأنّه ابتداء تقليد [ ه ] فيجب البقاء عليه ، ومن أنّ النسيان عذر طار على التقليد فيكون التقليد الثاني مجزئا ما دام العذر وإذا ظهر سبق التقليد الأوّل زال العذر وارتفع موضوع التقليد الثاني فيجب العدول ، وهذا أوجه.