في وقت آخر ، فإن كان ذاكرا لدليلها جاز له الفتوى ، وإن نسيه افتقر إلى استيناف النظر. فإن أدّى نظره إلى الأوّل فلا كلام ، وإن خالفه وجب الفتوى بالأخير. ولا ريب أنّ ما ذكره المحقّق أولى. غير أنّ ما ذهب إليه العلاّمة متوجّه ، لأنّ الواجب على المجتهد تحصيل الحكم بالاجتهاد ، وقد حصل فوجوب الاستيناف عليه بعد ذلك يحتاج إلى الدليل ، وليس بظاهر.
أصل
لا نعرف خلافا في عدم اشتراط مشافهة المفتي في العمل بقوله ، بل يجوز بالرواية عنه ما دام حيّا. واحتجّوا لذلك بالإجماع على جواز رجوع الحائض إلى الزوج العاميّ ، إذا روى عن المفتي ، وبلزوم العسر بالتزام السماع منه.
وهل يجوز العمل بالرواية عن الميّت؟ * ظاهر الأصحاب الإطباق على عدمه. ومن أهل الخلاف من أجازه. والحجّة المذكورة للمنع في كلام الأصحاب على ما وصل إلينا رديّة جدّا لا يستحقّ أن تذكر. ويمكن الاحتجاج له بأنّ التقليد إنّما ساغ للإجماع المنقول سابقا ، وللزوم الحرج الشديد والعسر بتكليف الخلق بالاجتهاد.
وكلا الوجهين لا يصلح دليلا في موضع النزاع ، لأنّ صورة حكاية الإجماع صريحة في الاختصاص بتقليد الأحياء. والحرج والعسر يندفعان بتسويغ التقليد في الجملة. على أنّ القول بالجواز قليل الجدوى على اصولنا ، لأنّ المسألة اجتهاديّة ، وفرض العاميّ فيها الرجوع إلى فتوى المجتهد. وحينئذ فالقائل بالجواز إن كان ميّتا فالرجوع إلى فتواه فيها دور ظاهر ، وإن كان حيّا
__________________
* الظاهر أنّ المراد بالرواية عن الميّت ما يعمّ ما اخذ منه ميّتا أو حيّا بطريق المشافهة أو من كتاب معلوم النسبة إليه أو بواسطة عدل ونحوه ، والمقصود بالبحث هنا بيان كون حياة المقلّد شرطا في جواز تقليده وعدمه ، وهو الّذي يعبّر عنه بجواز تقليد الميّت وعدمه.