ووجه الفرق : أنّ الشارع تصرّف في الأحكام بجعل مؤدّيات الطرق الاجتهاديّة أحكاما فعليّة يترتّب عليها الآثار ولم يتصرّف في الموضوعات الخارجيّة ، فليتدبّر.
المقام الثالث : في نقض الفتوى وعدمه في الوقائع المرتبطة بالمجتهد أو مقلّده في الطهارة والحلّية وغيرهما من الأحكام ، كما لو باشر المغسول مرّة واحدة أو ملاقى الغسالة أو عرق الجنب من الحرام أو الماء القليل للنجاسة أو العصير العنبي بعد الغليان في المأكول أو المشروب أو الملبوس أو الأواني لبنائه على كفاية المرّة في غسل المتنجّسات وعلى الطهارة في البواقي ، أو هيّأ في أدائه للضيافة وغيرها المطبوخ من لحم حيوان يرى حلّيّته أو المشروب من العصير الزبيبي أو التمري بعد الغليان لبنائه فيهما على الحلّيّة ، فهل يجوز لمجتهد آخر مخالف في الرأي في المذكورات أو مقلّده عند الابتلاء بنحو هذه الوقائع ترتيب آثار الطهارة أو الحلّيّة ، فلا يجب عليهما التجنّب بل يجوز لهما المباشرة والملاقاة برطوبة والتناول أكلا وشربا أو لا نقضا للفتوى في جميع ذلك؟ الظاهر الثاني لما مرّ من القاعدة المقتضية لذلك مع عدم وجود صارف عنها ، بل الظاهر أنّه محلّ وفاق حيث لم نقف على قول بخلافه.
تذنيب
حكم الحاكم إذا قطع ببطلانه أو بطلان طريقه وجب نقضه قولا واحدا وإلاّ لم يجز نقضه للحاكم ولا لغيره من حاكم آخر أو مقلّده قولا واحدا ، وفي كلام بعض الفضلاء : « أنّه موضع وفاق » (١) والإجماعات المنقولة في كلام العامّة والخاصّة كثيرة ، من غير فرق فيما ذكر بين كون الحكم واردا في الموضوعات الصرفة الّتي طريق الحكم فيها الإقرار أو البيّنة أو اليمين ، أو في وقائع من العقود أو الإيقاعات أو المواريث أو غيرها ممّا يتفرّع الحكم فيها على الفتوى ، ولا بين رجوع الحاكم بعد حكمه عن فتواه وعدمه ، ولا بين بقاء حكم الفتوى بعد الرجوع في الواقعة الشخصيّة ـ كما لو تراجع إليه المتعاقدان بالفارسيّة في النكاح فحكم بالزوجيّة أو في البيع فحكم بالنقل والملكيّة ، فإنّ حكم فتواه الّتي فرّع عليها الحكم وهي صحّة ذلك العقد يبقى بعد الرجوع ـ وعدمه كما لو اشترى أحد المتعاقدين لحم حيوان لبناء الحاكم على حلّيته فترافعا إليه فحكم بصحّة العقد وانتقال الثمن إلى البايع
__________________
(١) الفصول الغرويّة : ٤١٠.