المأخوذين في موضوع تلك القضيّة.
وكيف كان فهما اعتباران يلحقان الدليلين المتعارضين بعد فرض التعارض بينهما ، وعليه فينبغي بيان معنى التعارض لغة وعرفا.
فنقول : إنّه لغة تفاعل من « العرض » وهو بحسب الاستعمال ورد باللام فيقال : « عرض له » وبدونها فيقال : « عرضه » ، لا لأنّه من باب « شكرته وشكرت له » و « حمدته وحمدت له » فإنّ المعنى فيهما واحد ، وهو على التقديرين متعدّ واللام إنّما يلحق للتقوّي لا للتعدية ، بخلاف « العرض » فإنّه ورد مشتركا بين معنيين لازم وهو الظهور ومتعدّ وهو الإظهار ، فعلى الأوّل يلحقه اللام للتعدية ولا يلحقه على الثاني ، ومنه قوله عزّ من قائل : و ( عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) ثمّ « العرض » على كلّ من التقديرين قد يضمّن فيه معنى المقابلة على معنى عدم اجتماع الشيء مع مقابله في جانب واحد ، فالتعارض أخذ منه بعد رعاية التضمين المذكور ، ولذا لا يلحق إلاّ الأمرين المتقابلين ، يقال : « تعارض الرجلان » أي أظهر كلّ منهما نفسه لصاحبه على وجه لا يجتمع معه في جانب ، وهو بهذا الاعتبار غلّب في عرف الاصوليّين على تعارض الدليلين ، ولذا عرّف : « بتنافي الدليلين » وظاهر أنّ تنافي الدليلين إنّما هو باعتبار دلالتهما ، كما لو دلّ أحدهما على وجوب شيء والآخر على تحريمه مثلا ، فإنّ الأوّل كأنّه بدلالته على الوجوب ينفي التحريم والثاني بدلالته على التحريم ينفي الوجوب.
ويجوز أن يكون باعتبار مدلوليهما وعليه يكون لحوقه بالدليلين من باب الوصف بحال متعلّق الموصوف ، وإليه ينظر تعريفه : « بتنافي مدلولي الدليلين » والأوفق بالذوق هو الاعتبار الأوّل ، وظاهر أنّ التنافي بين الدليلين لا يتأتّى بكلّ من الاعتبارين إلاّ مع وحدة الموضوع اتّحد معه المحمول أيضا لو اختلفا في الكيف ـ كقولنا : « واجب وليس بواجب » أو « حرام وليس بحرام » ـ أو تعدّد المحمول لو اتّحدا في الكيف كقولنا : « واجب وحرام » أو « طاهر ونجس » فالتعارض على قسمين.
وإن شئت عبّر عن الأوّل بالقضيّتين المتناقضتين ، وعن الثاني بالقضيّتين المتضادّتين ، ويشتركان في اعتبار وحدة الموضوع ، فهي معتبرة في التعارض لا محالة.
ومن ذلك علم أنّه لا يعقل التعارض بين الوارد والمورود ، فإنّ الوارد عبارة عمّا كان من الأدلّة الاجتهاديّة رافعا لموضوع دليل آخر يكون من الاصول العمليّة كأصل الإباحة وغيرها ومثلها أصالة الطهارة في الأشياء ، فإنّ مؤدّيات هذه الاصول أحكام ظاهريّة مجعولة