اليقين العقلي واليقين الشرعي ، أو بأنّه يكفي فيه اليقين بحصول الوضوء وحدوث الطهارة ولا يعتبر فيه اليقين والبقاء إلى أن يحصل اليقين بعدم البقاء ـ فهو أيضا أوفق بكون الحكومة فيه بالنفي والإخراج ، لأنّ قوله تعالى : ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ ) إلى آخره يقتضي وجوب الوضوء عند كلّ قيام إلى الصلاة ، وقوله : « إذا دخل الوقت » إلى آخره ، « ولا صلاة » إلى آخره بظاهره يقتضي اعتبار الطهارة الواقعيّة الّتي لا تحرز إلاّ بطريق العلم ، وقوله عليهالسلام : « إذا استيقنت أنّك قد أحدثت » إلى آخره ، يحكم عليها بنفس مضمونه بأنّ الوضوء إنّما يجب عند قيام إلى الصلاة مصادف ليقين الحدث ، ولا يجب عند القيام المصادف لعدم يقين الحدث ، ولا يجب اليقين بالطهارة في احرازها مع كون الحالة السابقة على الشكّ في الحدث هي الطهارة.
وكيف كان فلأجل أنّ مرجع الحكومة بالتعبير الثاني إلى إخراج ما هو من أفراد موضوع الدليل عن تحت ذلك الدليل ونفي حكمه عمّا هو من أفراد موضوعه ، فقد يشتبه الحكومة والحاكم بالتخصيص والمخصّص المنفصل في نحو « أكرم العلماء » و « لا تكرم زيدا » بتقريب : أنّ التخصيص إخراج ما لولاه لدخل ، والمخصّص ما يوجب خروج الفرد عن العامّ ويقتضي نفي حكمه عن الفرد ، ولأجل ذا جاز الحكم على المخصّص أيضا بكونه مفسّرا للعامّ ومبيّنا لحقيقة المراد منه.
وفيه : أنّ الحاكم والمخصّص وإن كانا متشاركين في المفسّريّة والبيانيّة إلاّ أنّهما يتفارقان في أنّ الحاكم بنفس مضمونه متعرّض لحال المحكوم عليه بالتفسير والبيان ، ولذا كان دليليّته باعتبار دلالته منوطة بوجوده بحيث لولاه لكان لغوا وخاليا عن المورد ، بخلاف المخصّص الّذي يلحقه وصف المفسّريّة والبيانيّة لعارض بواسطة حكم العقل لئلاّ يلزم التناقض واجتماع المتنافيين ، أو بمعونة فهم العرف كونه قرينة منفصلة ، بل مبنى فهم العرف أيضا على حكم العقل بالتقريب المذكور ، فإنّ أهل العرف عقلاء وفهمهم للقرينيّة إنّما هو لحكم عقولهم بامتناع التناقض واجتماع المتنافيين ، ولذا لولا أحد الأمرين لم يرتبط المخصّص بالعامّ ولم يكن دليليّته باعتبار دلالته منوطة بوجود العامّ ، ولا يلزم من فرض عدم وروده خروج المخصّص لغوا وخاليا عن المورد.
ومن البيان المذكور يظهر السرّ في عدم وقوع التعارض بين الحاكم والمحكوم عليه ، إذ لا يعقل منافاة بين المفسّر والمفسَّر ، بل ليس للحاكم مدلول سوى بيان مقدار موضوع المحكوم عليه وحكمه فكأنّهما معا دليل واحد.