أمكن لاستحالة الترجيح من غير مرجّح ، فهو أضعف شيء ذكر في المقام وأوهن من بيت العنكبوت ، وذلك لأنّ القاعدة المستفادة من أدلّة حجّية الأدلّة الغير العلميّة وإن كانت وجوب إعمال الدليلين إلاّ أنّه مقيّد بالإمكان ، ولا يمكن إلاّ حيث لا تعارض بينهما ، فكلّ دليلين بينهما تعارض التباين لا يمكن إعمالهما معا.
وتوضيحه : أنّ إعمال الدليلين إنّما يجب من حيث دليليّتهما ، ولا ريب أنّ دليليّة الدليل كالخبر الظنّي منوطة بأمرين : أحدهما السند وهو صدوره ، والآخر دلالته ، والأوّل يحرز بجعل الشارع حيث أوجب علينا بمقتضى أدلّة الحجّية تنزيله منزلة الدليل القطعي في وجوب التعبّد بدلالته والالتزام بمدلوله على أنّه الحكم الواقعي ، كما أنّ الثاني يحرز بأصالة الحقيقة وما بمعناها من الاصول اللفظيّة. وإن شئت قلت : إنّه يحرز بالظهور أوّليا كان أو ثانويّا.
فمعنى إعمال الدليل حينئذ التعبّد بدلالته المحرزة بالظهور تنزيلا لسنده الظنّي منزلة السند القطعي ، وعليه ففي الدليلين المتعارضين كقوله عليهالسلام : « ثمن العذرة سحت » وقوله عليهالسلام : « لا بأس ببيع العذرة » يتصوّر وجوه أربع :
الأوّل : أن يؤخذ بسنديهما مع الأخذ بظهوريهما.
الثاني : أن يؤخذ بسنديهما مع الأخذ بظهور أحدهما وطرح ظهور الآخر.
الثالث : أن يؤخذ بسنديهما مع طرح ظهوريهما معا.
الرابع : أن يؤخذ بأحدهما سندا وظهورا ويطرح الآخر.
والأوّلان باطلان لعدم إمكانهما عقلا ، أمّا الأوّل منهما : فلفرض التعارض ، وأمّا الثاني منهما : فلأنّ التعارض لا يرتفع بمجرّد رفع اليد عن ظهور أحدهما ، لبقائه بين خلاف ظاهر أحدهما وظهور الآخر.
والصحيح من الوجهين الأخيرين أيضا ثانيهما ، لأنّ طرح ظهوريهما الأوّليين مع عدم انعقاد ظهور ثانوي فيهما في معنى ترك العمل بهما رأسا وهو خروج عن مقتضى أدلّة الحجّية ، بخلاف الوجه الأخير الّذي يؤخذ فيه بأحدهما بتمامه ، فإنّه إعمال للدليل بالمعنى المتقدّم ، ولا يلزم من طرح الآخر خروج عن مقتضى أدلّة الحجّية بتقييد أو تخصيص ، إمّا لما بيّنّاه سابقا من أنّ ترك العمل بأحد المتعارضين إنّما هو لمانع التعارض ولا يؤول إلى إنكار حجّيته الذاتّية فلا ينافيها ، أو لأن أدلّة الحجّية مقّيدة بإمكان العمل وظاهر أنّ العمل