فتحقيق المقام : أنّ ما لا يصحّ الجمع بينهما من المتعارضين مع ما لا يمكن الجمع بينهما مندرجان في عنواني المقامين الآتيين وهما التعادل والترجيح ، فيعلم حكمهما من البحث في المقامين.
المقام الثاني
فيما لو تعارض الدليلان أو الأمارتان وتكافئا من جهة المرجّحات المعتبرة ويعبّر عنه بالتعادل.
والكلام فيه تارة في الصغرى واخرى في الكبرى.
أمّا الأوّل : فاختلفوا في جواز تعادل الأمارتين على معنى خلوّهما عن المرجّح كما عليه الأكثر وهو المعتمد ، ونفاه بعضهم كما عن الكرخي وأحمد بن حنبل ، وعزاه في التهذيب إلى قوم ، وعن غاية المبادئ أنّهم التزموا بأنّه لابدّ من ثبوت مرجّح لأحد المتعارضين وإن خفي على المجتهد مسلكه.
لنا : أنّه لا مانع منه عقلا ولا شرعا ، أمّا الأوّل : فلأنّ العقل لا يأبى ذلك ، وقرّره في المنية : « بأنّه لا يمتنع أن يخبرنا رجلان متساويان في العدالة والثقة ، واحتمال الصدق بحكمين متنافيين والعلم بذلك ضروريّ » انتهى.
وما اعتمد عليه المانع من المنع العقلي غير صالح للمانعيّة.
وأمّا الثاني : فلأنّه ليس في الأدلّة الشرعيّة وقواعد الشرع ما يقضي بالمنع ، بل فيها ما يدلّ على خلاف ذلك كالأخبار الآمرة ـ من الأخبار العلاجيّة ـ بالتخيير في الخبرين المتعارضين ، لوضوح أنّه لا يصحّ إلاّ إذا تكافئا وتساويا من جهة المرجّحات.
احتجّ المانعون : بأنّه لو وقع التعادل بين الأمارتين المتعارضتين فالعمل بهما محال لأدائه إلى اجتماع حكمين متنافيين في موضوع واحد ، وتركهما معا يقتضي العبث بوضعهما ، إذ وضع أمارة لا يمكن العمل بها عبث وهو أيضا محال ، والعمل بإحداهما دون الاخرى ترجيح بلا مرّجح وهو أيضا محال.
وربّما عزى إليهم القول بجوازه عقلا وعدم وقوعه شرعا ، وقرّر ذلك دليلا على عدم الوقوع.
وأيّا ما كان فهو باطل لإمكان اختيار الشقّ الثاني ومنع الملازمة ، لعدم اختصاص وضع الشارع بالأمارتين المتعارضتين ، فبترك العمل بهما معا لمانع التعارض لا يلزم خروج