الوضع المتعلّق بنوع الأمارة من دون نظر إلى خصوصيّاتها عبثا ، كما في جعل الحكم التكليفي المعلّق على العامّ كقوله : « أكرم العلماء » إذا اتّفق التنافي بين فردين منه.
هذا مع جواز اختيار الشقّ الأخير ومنع الملازمة أيضا ، ويعلم وجهه بمراجعة ما حقّقناه في مسألة التحسين والتقبيح العقليّين عند الكلام في قاعدة استحالة الترجيح من غير مرجّح ، وقد بيّنّا ثمّة أنّ الترجيح في عنوان هذه القاعدة عبارة عن اختيار أحد طرفي الممكن ، والمرجّح عبارة عمّا يوجب رجحانه في نظر الفاعل المختار عقلائيّا كان أو فاعليّا ، وعدم المرجّح فيه عبارة عن انتفاء المرجّح بقسميه ، وإنّما يكون الترجيح حينئذ مستحيلا لمدخليّة المرجّح في تحقّق المقدّمة الأخيرة من مقدّمات وقوع أحد طرفي الممكن من فعل شيء وتركه أو من فعل أحد أشياء على البدل وترك الجميع وهي الإرادة بمعنى الجزم بالإيقاع ، لاستحالة وجود الشيء مع انتفاء مقدّمة وجوده كاستحالة أن يختار الفاعل المختار أحدهما ما دام متردّدا بينهما ، فلابدّ في الترجيح من زوال التردّد بمراعاة مرجّح عقلائي أو فاعلي أوجب رجحان أحد الطرفين المستتبع للجزم بإيقاعه ، فالتردّد إن كان في أشياء بين فعل أحدها على البدل وترك الجميع لابدّ فيه من مرجّح أوجب رجحان أحدها على وجه يستتبع الجزم بإيقاعه ، ولو فرض تحقّقه في جانب فعل أحدها كفى في اختيار بعض معيّن منها ، لأنّه حينئذ ليس من الترجيح حال التردّد ويكفي فيه الرجحان المشترك على البدل ، لوضوح أنّه في مقابلة ترك الجميع ترجيح مع المرجّح ، وهو في مقابلة اختيار المعادل لا تردّد بينهما ليستدعي اعتبار مرجّح آخر.
ولا ريب أنّ أدلّة حجّية الأمارة بنوعها مع انضمام استحالة العمل بالمتعارضين من أفرادها تصلح مرجّحة لأحدهما على البدل في مقابلة تركهما معا ، فتعيين إحداهما للعمل به واختياره دون الاخرى ليس من الترجيح بلا مرجّح ليكون مستحيلا ، فليتدبّر.
وأمّا الثاني : فاختلفوا في أنّ الدليلين المتعارضين إذا تعادلا بعد عدم إمكان الجمع بينهما فهل الأصل فيهما التساقط ـ على معنى خروجهما عن الحجّية فيتساقطان فيرجع في الواقعة إلى الأصل الجاري فيها ـ أو لا؟ وعلى الثاني فهل الأصل فيهما التخيير على معنى وجوب العمل بأحدهما على البدل وطرح الآخر أو لا؟ فلابدّ من التوقّف والرجوع إلى الأصل ، وجوه بل أقوال.
فقد يقال : بأنّ الأصل فيهما التساقط ، لأنّ الأصل الأوّلي في كلّ دليل غير علمي عدم