تتوهّن بمخالفة مضمونها الأصل القطعي المجمع عليه وهو بطلان التصويب ، لما تقدّم من أنّ التخيير بين المتعارضين مبنيّ على الجعل الموضوعي في الأمارات المؤدّي إلى التصويب بخلاف أخبار التوقّف الغير المستتبع لهذا المحذور ، فهي مشتملة على مرجّح مضموني يجب ترجيحها على أخبار التخيير.
لأنّا نقول : إنّ التخيير المنساق من الأخبار الآمرة به ليس من التخيير العقلي المبنيّ على الجعل الموضوعي ، وهو التخيير في امتثال الحكم الواقعي التابع للمصلحة الواقعيّة الكامنة في الواقعة كما في الواجبين المتزاحمين ، بل هو تخيير عملي وحكم ظاهري جعله الشارع للمتحيّر في متعارضات الأمارات مع فقد المرجّحات ، هذا.
وينبغي التنبيه على امور :
أحدها : أنّ حكم التعادل في الأمارتين القائمتين بغير الأحكام كاللغات وأحوال الرواة عند اختلاف أقوال أهل اللغة أو علماء الرجال مع التكافؤ أو عدم إمكان الجمع ليس هو التخيير ، سواء اريد به التخيير الظاهري المستفاد من الأخبار المجعول للمتحيّر أو التخيير العقلي التابع للحكم الواقعي.
أمّا الأوّل : فلأنّه لا يتمشّى في أمارات غير الأحكام ، لاختصاص أدلّته والأخبار الآمرة به موردا ومساقا سؤالا وجوابا بالأحكام والأخبار المأثورة عن أئمّة الأنام عليهالسلام.
وأمّا الثاني : فلابتنائه على الجعل الموضوعي الغير المعقول في غير الأحكام ، بل الظاهر كون وجه اعتبار أماراته وجه الطريقيّة من باب الظنّ الشخصي فلا مناص من التوقّف.
وثانيها : أنّه إذا اختار المجتهد بعد البناء على التخيير أحد المتعارضين وعمل به ، فهل يجوز له العدول عنه إلى اختيار الآخر والعمل به أيضا وهو التخيير الاستمراري ، أو لا يجوز ذلك وهو التخيير البدوي؟ وجهان أقواهما الثاني اقتصارا في الحكم المخالف للأصل على موضع اليقين ، مع أنّ جواز دوام العمل بما اختاره معلوم وجواز العمل به تارة وبغيره اخرى مشكوك ، فقاعدة الاشتغال بالعمل بالطريق تقتضي عدم الاستمرار ، مع أنّ الالتزام بالاستمرار قد يؤدّي إلى المخالفة القطعيّة العمليّة للحكم الواقعي فيما لم يحتمل مخالفة الأمارتين معا الواقع ، مع أنّ القائل بالاستمرار ليس له إلاّ إطلاق الأخبار الآمرة به.
ويزيّفه : ما قيل من أنّ الظاهر أنّها مسوقة لبيان وظيفة المتحيّر في ابتداء الأمر ، فلا إطلاق فيها بالنظر إلى حال المجتهد بعد زوال تحيّره بالتزام العمل بأحدهما.