واستصحاب الحالة السابقة وهو التخيير الثابت قبل الاختيار إذا شكّ في بقائه وارتفاعه بعد الاختيار للشكّ في كون الاختيار ملزما يستصحب بقاؤه.
يزيّفه أوّلا : ورود الأصل العقلي وهو قبح المخالفة القطعيّة إذا كانت عمليّة عليه.
وثانيا : تبدّل موضوع المستصحب الموجب لعدم جريان الاستصحاب ، بتقريب : أنّ المجتهد بعد ما اختار أحد المتعارضين والتزم به خرج عن كونه متحيّرا وقد تقدّم أنّ التخيير حكم مجعول للمتحيّر بوصف كونه متحيّرا ، فتأمّل.
وقد يقرّر تبدّل الموضوع بأنّ الثابت سابقا ثبوت الاختيار لمن لم يختر فإثباته لمن اختار والتزم إثبات للحكم في غير موضوعه الأوّل.
ثمّ الظاهر عدم الفرق فيما اخترناه من عدم استمرار التخيير بين ما لو تعلّقت الأمارتان المتعارضتان بالفتوى أو بالحكم والقضاء ، فإذا حكم في واقعة على طبق أمارة فليس له أن يحكم في اخرى على طبق اخرى ، خلافا للعلاّمة في النهاية وغيره ـ على ما حكي ـ من مصيره إلى الجواز استنادا إلى أنّ العقل لا يستحيله ولا يستبعد وقوعه كما لو تغيّر اجتهاده ، وفيه ما فيه.
وثالثها : حكي عن جماعة أنّ التعادل إن وقع للمجتهد في عمل نفسه كان مخيّرا ، وإن وقع للمفتي باعتبار إفتائه فحكمه أن يخيّر المستفتي فيتخيّر في العمل كالمفتي.
أقول : وجه الأوّل واضح ، وأمّا الثاني فوجّهه بعض مشايخنا : « بأنّ نصب الشارع للأمارات وطريقيّتها يشمل المجتهد والمقلّد ، إلاّ أنّ المقلّد عاجز عن القيام بشروط العمل بالأدلّة من حيث تشخيص مقتضاها ودفع موانعها ، فإذا فرض أنّ المجتهد تصدّى لإثبات ذلك وثبت جواز العمل بكلّ من الخبرين المتكافئين المشترك بين المقلّد والمجتهد تخيّر المقلّد كالمجتهد ، ولأنّ إيجاب مضمون أحد الخبرين على المقلّد لم يقم دليل عليه فهو تشريع ».
أقول : وفيه نظر ، إذ التخيير حكم ظاهري جعله الشارع للمتحيّر في العمل بالطريق بسبب وقوع التعادل بين فرديه ، وهذا التحيّر ليس حاصلا للمقلّد إذ لا طريق له سوى فتوى المجتهد وليس وظيفته في استعلام حكمه الشرعي الرجوع إلى الطرق الّتي يرجع إليها المجتهد ، فهو غير مندرج في موضوع التخيير في العمل بين الطريقين ليفتي له به المجتهد.
وقضيّة ذلك أن لا يفتيه إلاّ بمقتضى ما اختاره من المتعادلين.
ويؤيّده أنّ الإفتاء بالتخيير في العمل بينهما للمقلّد لم يعهد إلى الآن من أحد من