وخبر داود بن فرقد قال : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام : « يقول أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلامنا ، أنّ الكلمة لتصرف على وجوه ، فلو شاء إنسان لصرف كلامه كيف شاء ولا يكذب » فإنّ « المحكم » عند الاصوليّين وإن كان هو القدر المشترك بين النصّ والظاهر ، و « المتشابه » هو القدر المشترك بين المجمل والمؤوّل ، إلاّ أنّ المراد بهما هنا ما يعمّ الأظهر في مقابلة الظاهر والظاهر في مقابلة النصّ ، فالأوّل محكم والثاني متشابه باعتبار تطرّق التأويل إليه بصرفه إلى خلاف الظاهر ، ومعنى الردّ هو الحمل كحمل العامّ على الخاصّ والمطلق على المقيّد والمجمل على المبين.
وقوله : « أنتم أفقه الناس » يريد به الحثّ على المبالغة والاجتهاد في التوصّل إلى المقاصد والمرادات بمراجعة القرائن وإعمال الاصول والقواعد المحرزة للدلالات المشخّصة للمرادات ، ومرجعه إلى الترجيح بمرجّحات الدلالة من دون التفات إلى مرجّحات السند وغيرها ، وهو يقضي بوجوب ردّ العامّ أو المطلق إلى الخاصّ أو المقيّد وإن كان راوي العامّ والمطلق أعدل أو أفقه أو أصدق أو أورع وهكذا ، ويلزم من ذلك طرح الأخبار المتكفّلة لبيان المرجّحات السنديّة وغيرها.
ويندفع هذا الإشكال أيضا : بأن نقول بموجب هذين الخبرين وما بمعناهما ، لأنّه الحقّ الّذي لا محيص عنه لقيام الإجماع الضروري على تقديم المرجّحات الدلاليّة ـ ما دامت موجودة صالحة لإحراز الدلالة وترجيحها في أحد المتعارضين عليها في المتعارض الآخر ـ على المرجّحات السنديّة ، وغيرها فحيثما أمكن الجمع بين المتعارضين بترجيح الدلالة لا يلتفت إلى مرجّحات السند أو المتن أو المضمون الّتي مرجع الترجيح بها إلى طرح الخالي عنها ، وعليه مضافا إلى طريقة العلماء بناء العرف أيضا ، ولا يلزم بذلك ما ذكر من طرح الأخبار المتكفّلة لبيان المرجّحات السنديّة وغيرها لأنّها مخصّصة بواسطة الإجماع وغيره بما إذا لم يكن هناك مرجّح دلالتي.
الموضع الرابع : ما ينشأ ممّا ورد في بعض الأخبار من الترجيح بالأحدثيّة ، كما في خبر أبي عمرو الكناني عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « يا أبا عمرو أرأيت لو حدّثتك بحديث أو أفتيتك بفتيا ، ثمّ جئت بعد ذلك تسألني عنه فأخبرتك بخلاف ما كنت أخبرتك أو أفتيتك بخلاف ذلك ، بأيّهما كنت تأخذ؟ قلت : بأحدثهما وأدع الآخر ، قال : قد أصبت يا أبا عمرو ، أبى الله إلاّ أن يعبد سرّا ، أما والله لئن فعلتم ذلك أنّه لخير لي ولكم ، أبى الله لنا في دينه إلاّ التقيّة ».