هو حاصل عندنا ، على معنى كون مصلحة التقيّة الموجودة ثمّة الباعثة على إخراج الكلام مخرج التقيّة بحيث تتأدّى في نظره عليهالسلام باختيار كلّ من الوجهين ، فله بل عليه اختيار الوجه الثاني حذرا عن الكذب الّذي لا ضرورة دعت إليه ، وهذا ممّا لا يتحقّق في حقّه مطّردا ، فإنّ التقيّة قد يكون قوليّة على معنى كونها حاصلة للإمام فأتي بكلام موافق ظاهره لمذهب العامّة لحفظ نفسه الشريف ودفع الضرر عن نفسه ، وقد تكون عمليّة بكونها حاصلة لمخاطبه المخالط لهم في عمله الموافق لمذهبهم فيأتي بقول موافق ظاهره لمذهبهم ، حملا له على العمل بما يوافق مذهبهم حفظا له عن القتل وغيره من أنواع الضرر كغسل الرجلين في الوضوء مثلا.
ولا ريب أنّ مصلحة التقيّة بكلا الوجهين إنّما تتأدّى في القسم الأوّل دون القسم الثاني ، ضرورة أنّه لولا إرادة الظاهر المطابق لمذهبهم الباعثة على تطبيق العمل في الظاهر على هذا المذهب لم يحصل الغرض من إيراد الكلام تقيّة.
ومن هنا يقال : إنّ التقيّة في موردها حكم ظاهري بل واقعي ثانوي ويحرم متابعة الواقع على من يعلمه ما دام موجبها قائما ، كمسح الرجلين مكان غسلهما لمن وقع في زمان التقيّة ، وعليه فالأخبار الخارجة مخرج التقيّة بالنسبة إلينا على أنواع :
منها : ما يعلم كون التقيّة المرعيّة فيه قوليّة ، فالأولى فيه الحمل على التورية.
ومنها : ما يعلم كون التقيّة المرعيّة فيه عمليّة ، ويتعيّن فيه الحمل على اختيار الكذب.
ومنها : ما يتردّد بين القسمين ، وهذا ممّا لا سبيل لنا إلى تعيين أحدهما ، ولا أصل في المقام يساعد على شيء منهما ، ولعلّه الغالب في الأخبار المحمولة على التقيّة.
فصل
إذا وقع التعارض بين مرجّح جهة الصدور كالمخالفة والموافقة [ للعامّة ] ومرجّح الصدور كالأعدليّة فيما ورد خبران أحدهما مرويّ عن عادل والآخر عن الأعدل مع موافقة رواية الأعدل لمذهب العامّة ، فهل الترجيح لمرجّح الصدور فيؤخذ برواية الأعدل ويحكم على رواية العادل بعدم الصدور ، أو لمرجّح جهة الصدور فيؤخذ بالخبر المخالف حملا له على بيان الواقع ويطرح الموافق حملا له على التقيّة أو غيرها من مصالح بيان خلاف الواقع؟
وينبغي التكلّم لتحقيق هذا المطلب أوّلا في أنّه هل يقع التعارض بين مرجّح جهة