وأجاب عنه بعض الأفاضل : « بأنّه لا كلام في عدم جواز الاستناد إلى الظنّ من غير قيام دليل عليه ، وما ادّعي من انتفاء الدلالة في المقام فهو بيّن الفساد ، كيف ولو لم يكن هناك دليل على حجّيته سوى انسداد سبيل العلم وانحصار الطريق في الظنّ مع القطع ببقاء التكليف لكفى في القطع بحجّيته ، مع أنّ هناك أدلّة خارجيّة على حجّية عدّة من الطرق الظنّية كما قرّر في محلّه. وقد اعترف الأخباريّون بحجّية قول الثقة وجواز الاعتماد عليه في الأحكام الشرعيّة كما دلّت عليه عدّة من النصوص ، مع أنّه لا يفيد غالبا ما يزيد على الظنّ ، ودعوى إفادة قول الثقة القطع بالواقع كما صدر من جماعة منهم ممّا يشهد ضرورة الوجدان بخلافه مع ثبوت وثاقته بطريق اليقين ، فكيف مع ثبوتها بحسن الظاهر » (١).
أقول : وينبغي التعرّض لإقامة الحجّة على الحجّية لحسم مادّة الشبهة بالمرّة ، والعمدة في ذلك الدليل العقلي المعبّر عنه بدليل الانسداد ، وتنقيح هذا الدليل ـ بالتعرّض لدفع ما أورد عليه أو لعلّه يرد ـ خارج عن المقام لسبقه في محلّه ، غير أنّا نشير هنا إلى تقريره إجمالا على وجه يندفع به شبهة الخصم في دعوى عدم الدليل على جواز العمل بالظنّ.
فنقول : إنّ الإنسان إذا لم يكن بالغا أو كان ولكن لم يكن عاقلا فلا كلام لأحد في أنّه في الوقائع المضافة إليه من أفعاله وغيرها كالأنعام والبهائم في إهمال ذلك الوقايع وخلوّها عن الحكم الوجودي بالمرّة حتّى الإباحة بالمعنى الأخصّ ، بناء على أنّها كغيرها من الخمس التكليفيّة في الاشتراط بالبلوغ والعقل ، وإذا كان بالغا عاقلا فإن كان قاطعا بالإهمال وخلوّ الوقائع بالنسبة إليه عن الحكم بالمرّة ـ بل لو كان ظانّا بهما أو شاكّا فيهما ـ فهو أيضا كالأوّلين في عدم تنجّز تكليف بالنسبة إليه ، بل وكذلك أيضا لو كان ظانّا بعدم الإهمال ، على معنى ظنّه بأنّ له في كلّ واحد حكما وجوديّا ، فإنّ الظنّ بنفسه لا يصلح منجّزا للتكليف ولا يجب عليه التحرّي والنظر في معرفة تفاصيل هذا المظنون بالإجمال ، بل لو اتّفق له حينئذ ظنّ تفصيلي بوجوب شيء أو تحريمه لا يجب عليه التعرّض للامتثال ، بل يقبح في حكم العقل عقابه على الترك في الأوّل وعلى الفعل في الثاني ، وهذا هو الظنّ الّذي لا يصلح حجّة أصلا ولا دليل من العقل والشرع على وجوب اتّباعه بل الدليل على
__________________
(١) هداية المسترشدين ٣ : ٦٧٩.