وأمّا بالقياس إلى مواضع عدم التمكّن من العلم مع التمكّن من الظنّ فإن لم يكن ذلك التمكّن مجامعا للعلم الإجمالي بوجود أحكام تكليفيّة إلزاميّة فيما بين هذه المواضع كان المرجع فيها الاصول النافية للتكليف المحتمل ، ولا نظنّ قائلا بتعيّن الأخذ بالظنّ حينئذ.
وإن كان مجامعا للعلم الإجمالي بوجودها مع تعذّر الاحتياط أو تعسّره كان من محلّ النزاع بين الفريقين ، ومع عدمهما فالظاهر تعيّن الأخذ بالاحتياط إن لم يكن إجماع على خلافه. وفي المواضع الّتي لا يتمكّن فيها من الظنّ أيضا يتعيّن الأخذ بالاحتياط بلا إشكال مع العلم الإجمالي بوجود أحكام إلزاميّة ، وإلاّ فالمرجع هو الاصول النافية للتكليف.
ومن ذلك يعلم الحال في الصورة السادسة ، فإنّ المتعيّن فيها الاحتياط امتثالا للعلم الإجمالي ما لم يتعذّر أو يوجب العسر والحرج المنفيّين ، فهذه الصورة أيضا خارجة عن محلّ نزاع الفريقين ، فبقي من الصور المذكورة ممّا يصلح محلاّ للنزاع بينهما الصورة الثالثة والرابعة مع فرض عدم التمكّن من العلم التفصيلي ، وكذلك الصورة الخامسة على بعض فروعها كما عرفت ، وإن كان المحقّق في الخارج في المسائل الفرعيّة هو هذه الصورة مع عدم التمكّن من العلم في أغلبها محقّقا ، وأمّا الصورتان الاخريان فهما لمجرّد الفرض وإن كان الحكم فيهما على تقدير تحقّقهما مع حكم الصورة المحقّقة بالقياس إلى ما هو محلّ النزاع فيها سواء ، فيلزم الأخباريّين بالقياس إليهما أيضا منع العمل بالظنّ وإيجاب العمل بالعلم ، وهو كما ترى تجويز للتكليف بغير المقدور الّذي يستحيله العقل والشرع.
والفرق بينهما وبين الصورة المحقّقة في الخارج مع وحدة الطريق القاضي بلزوم اتّباع الظنّ تحكّم بحت.
إلاّ أن يقال : بأنّ التكليف بغير المقدور إنّما يوجب سقوط اعتبار الامتثال العلمي التفصيلي وهو أعمّ من الاكتفاء بالامتثال الظنّي التفصيلي ، لجواز تعيّن العدول من العلمي التفصيلي إلى العلمي الإجمالي الحاصل بالاحتياط ما لم يوجب محذورا من التعذّر أو التعسّر المخلّ بنظم العالم.
وإذا تقرّر ذلك كلّه فاعلم : أنّه لا شبهة في وجود أحكام في الشريعة متوجّهة إلينا في الوقائع الراجعة إلينا مطلقا ، فإنّ ذلك معلوم بحكم الضرورة وإجماع الامّة والأخبار المتواترة ، كما أنّه لا شبهة في أنّ العلم بوجودها كذلك أوجب تنجّز هذه المعلومات بالإجمال ووجوب التعرّض لامتثالها ، ومعلوم أيضا أنّ الأصل في الامتثال هو الامتثال العلمي التفصيلي ، وهو