بالخصوص إلاّ أنّه خرجنا عنه بعموم أدلّة المنع من العمل به ترجيحا له على العموم المذكور لجهات عديدة وإن كان بينهما عموم من وجه.
ثمّ إنّه إذا وقع التعارض بين شيء من المرجّحات الخارجيّة كالشهرة وبعض من مرجّحات الدلالة كالنصوصيّة أو الأظهريّة فيما ورد خبران أحدهما نصّ أو أظهر والآخر ظاهر موافق للشهرة كالعامّ والخاصّ مثلا إذا كان العامّ موافقا للشهرة فلا ينبغي التأمّل في تقدّم مرجّح الدلالة على المرجّح الخارجي مطلقا ، بل قد ذكرنا مرارا أنّ مرجّحات الدلالة لا يعارضها سائر المرجّحات حتّى لو كانت داخليّة راجعة إلى السند أو المضمون فكيف بالمرجّحات الخارجيّة ، فيقدّم الخاصّ في المثال المذكور على العامّ وإن كانت الشهرة في جانبه ولا يلتفت إليها ولا تصلح مرجّحة للعامّ ، لأنّ معنى كونها مرجّحة له حينئذ أنّها تكشف كشفا ظنّيا عن وجود خلل في إحدى جهات الخاصّ فتوجب قدحا في صدوره فيستحقّ به طرح سنده أو قدحا في دلالته فيستحقّ به للتأويل أو قدحا في جهة صدوره فيستحقّ به الحمل على التقيّة ، والكلّ باطل لأنّ أقصى ما يفيده الشهرة إنّما هو الظنّ بالخلل في إحدى تلك الجهات وهو لكونه من الظنون الغير المعتبرة لعدم قيام دليل على اعتبارها بالخصوص لا يقاوم أدلّة حجّية سند الخاصّ ولا أصالة الحقيقة ولا أصالة عدم التقيّة فيه.
أمّا الأوّل : فلأنّ مقتضى أدلّة حجّية السند وجوب الأخذ بسندي المتعارضين مهما أمكن الجمع بينهما بحسب الدلالة جمعا مقبولا لدى العرف وهو هنا ممكن بإرجاع التأويل إلى العامّ.
وأمّا الثاني والثالث : فلأنّ كلاّ من الأصلين إنّما يعتبر في مجاريه من باب الظنّ النوعي فلا يعدل عنه إلاّ بالظنّ الخاصّ المعتبر والمفروض ليس منه ، ولا ينتقض ذلك بأصالة الحقيقة في العامّ الّذي يجب طرحها على تقدير تقديم الخاصّ عليه ، لأنّ الخاصّ بعد حفظ سنده وفرض صدوره بنصوصيّته قرينة على إرادة خلاف ظاهر العامّ.
وبالجملة كما أنّ الشهرة لا يوجب قدحا في شيء من جهات الخاصّ إذا لم يقابله عامّ فكذلك لا يوجب قدحا في شيء من جهاته إذا قابله العامّ ، فلا يوجب قوّة في العامّ ولا ضعفا في الخاصّ حتّى يصير العامّ بسببه أقوى الدليلين ويتعيّن معه طرح الخاصّ ، لأنّ ذلك حيث لم يمكن الجمع السندي بين المتعارضين لا فيما أمكن الجمع وكان إشكال التعارض من جهة شبهة الدلالة مع وجود مرجّح الدلالة في جانب أحد المتعارضين من النصوصيّة أو الأظهريّة.