يَعْلَمُ هَماهِمَ (١) الْأَنْفُسِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ ، وَوَساوِسَها وَنِيَّاتِ الْقُلُوبِ ، وَنُطْقَ الْأَلْسُنِ وَرَجْعَ الشِّفاهِ ، وَبَطْشَ الْأَيْدِي ، وَنَقْلَ الْأَقْدامِ ، وَخائِنَةَ الْأَعْيُنِ ، وَالسِّرَّ وَأَخْفى وَالنَّجْوى (٢) وَما تَحْتَ الثَّرى ، وَلا يَشْغَلُهُ شَيْءٌ عَنْ شَيْءٍ ، وَلا يُفَرِّطُ فِي شَيْءٍ ، وَلا يَنْسى شَيْئاً لِشَيْءٍ.
أَسْأَلُكَ يا مَنْ عَظُمَ صَفْحُهُ ، وَحَسُنَ صُنْعُهُ ، وَكَرُمَ عَفْوُهُ ، وَكَثُرَتْ نِعْمَتُهُ ، وَلا يُحْصى إِحْسانُهُ وَجَمِيلُ بَلائِهِ ، أَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَأَنْ تَقْضِيَ حَوائِجِي الَّتِي أَفْضَيْتُ بِها إِلَيْكَ ، وَقُمْتُ بِها بَيْنَ يَدَيْكَ ، وَأَنْزَلْتُها بِكَ ، وَشَكَوْتُها إِلَيْكَ ، مَعَ ما كانَ مِنْ تَفْرِيطِي فِيما أَمَرْتَنِي بِهِ ، وَتَقْصِيرِي فِيما نَهَيْتَنِي عَنْهُ.
يا نُورِي فِي كُلِّ ظُلْمَةٍ ، وَيا انْسِي فِي كُلِّ وَحْشَةٍ ، وَيا ثِقَتِي فِي كُلِّ شَدِيدَةٍ ، وَيا رَجائِي فِي كُلِّ كُرْبَةٍ ، وَيا وَلِيِّي فِي كُلِّ نِعْمَةٍ ، وَيا دَلِيلِي فِي الظُّلامِ ، أَنْتَ دَلِيلِي إِذَا انْقَطَعَتْ دِلالَةُ الْأَدِلاّءِ ، فَانَّ دِلالَتَكَ لا تَنْقَطِعُ ، لا يَضِلُّ مَنْ هَدَيْتَ وَلا يَذِلُّ مَنْ والَيْتَ.
أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَأَسْبَغْتَ (٣) ، وَرَزَقْتَنِي فَوَفَّرْتَ ، وَوَعَدْتَنِي فَأَحْسَنْتَ ، وَأَعْطَيْتَنِي فَأَجْزَلْتَ (٤) ، بِلَا اسْتِحْقاقٍ لِذلِكَ بِعَمَلٍ مِنِّي وَلكِنْ ابْتِداءً مِنْكَ بِكَرَمِكَ وَجُودِكَ ، فَأَنْفَقْتُ نِعْمَتَكَ فِي مَعاصِيكَ ، وَتَقَوَّيْتُ بِرِزْقِكَ عَلى سَخَطِكَ ، وَأَفْنَيْتُ عُمْرِي فِيما لا تُحِبُّ ، فَلَمْ يَمْنَعْكَ جُرْأَتِي عَلَيْكَ ، وَرُكُوبِي ما نَهَيْتَنِي عَنْهُ ، وَدُخُولِي فِيما حَرَّمْتَ عَلَيَّ أَنْ عُدْتُ فِي مَعاصِيكَ.
فَأَنْتَ الْعائِدُ بِالْفَضْلِ ، وَأَنَا الْعائِدُ فِي الْمَعاصِي ، وَأَنْتَ يا سَيِّدِي خَيْرُ الْمَوالِي لِعَبِيدِةِ ، وَأَنَا شَرُّ الْعَبِيدِ ، أَدْعُوكَ فَتُجِيبُنِي ، وَأَسْأَلُكَ فَتُعْطِينِي ،
__________________
(١) الهماهم : الخفايا.
(٢) النجوى : اسرار الحديث.
(٣) أسبغت : وسعت.
(٤) أجزلت : أكثرت.