ولعمري ، إنني لستُ مِن خدم أرباب هذه الصناعة ، ولا من تجّار هذه البضاعة ، فقد استسمن ذا ورم (١) لحسن ظنّه ، ولكنّ أمره واجب الامتثال ، ولا يسقط الميسور بالمعسور ، والحكمة ضالّة المؤمن (٢) حيث ما وجدها التقطها.
ولنقدّم مقدّمة يُستعان بها على معنى الحديث ، فنقول وبالله المستعان : اعلم أيّدك الله بنوره ـ [ أن ] الذي يظهر لي من الأخبار وقواعد العدل والحكمة إن الحسنة والسيّئة إذا [ خطرتا (٣) ] ببال المكلّف المختار مجرّد خطور وتذكّر ، وتصوّرٍ لحقيقتها ومعناها ، ولفعلها وحُسنه أو قُبحه ، أو لذّته ؛ فإن كان إحضارها بالبال لأجل الترغيب في فعل الطاعة أو ترك المعصية ، أو التحذير من ترك الطاعة أو فعل المعصية ، أُثيب ، كما يدلّ عليه الكتاب والسنّة والأخبار والاعتبار.
وإلّا يكن كذلك ، بل مجرّد تصوّر بلا عزم على فعلٍ أصلاً بل مجرّد تصوّر وتذكّر لهما أو لأحدهما فلا ثوابَ ولا عقابَ ، وإلّا لزم التكليف بما لا يطاق ؛ إذ ربّما تخطُر أحدهما بالبال قهراً ، وربّما ألقى المَلَكُ أو الشيطانُ [ ذكرهما وتصوّرهما (٤) ] هكذا ، وللزم تحريم تعلّم معنى المعصية وتعليمها ، وذكرها لأجل التحذير ، أو الترغيب به أنه لا ثوابَ ولا عقابَ بمجرّد خطور أحدهما بالبال ما لم يكن نيّةٌ على فعلٍ لما خَطَرَ أو ذَكَر ، يُثابُ ، أو يُعاقَبُ عليه.
وإن خطرت أحدهما بالبال وهَمّ [ بفعلها (٥) ] ، وعَزَمَ عليه أي نوى فعله فلا يخلو ؛ إمّا أن يكون المنويّ فِعلَ الطاعة الواجبة أو المندوبة ، أو ترك الواجبة أو المندوبة.
فأقسام النيّة بالنسبة إلى الطاعة أربعة ، ففي الأوّلين يُثابُ إن فَعَلَ ما نواه ويُكتب
__________________
(١) انظر صبح الأعشى ١ : ٥٣٠ ، وفيه : ( استسمنتْ ).
(٢) إشارة إلى ما ورد عن الرسول صلىاللهعليهوآله ، كما في بحار الأنوار ١ : ١٤٨ / ٣٠ ، وغيرها.
(٣) في المخطوط : ( خطرت ).
(٤) في المخطوط : ( ذكرها وتصوُّرها ).
(٥) في المخطوط ( بفعله ).