وما رواه أيضاً عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليهالسلام : قال إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتّى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي ثلاث ركعات ، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة حتّى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات ، فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب وبقي وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل (١).
فقد دلّ هذا كلّه على أن المكلّف مكلّف بالصلاة ما بقي من وقتها قدر ركعة ؛ لأنه في وقتها ، فوقتها باقٍ ، وما زال وقتها باقياً فالمكلّف مكلّف بأدائها. وهذا كلّه يدلّ على أن الشارع هنا جعل مقدار ما يدرك المصلّي من آخر الوقت وما بعده من الزمان وقتاً لهذه الصلاة ، فيجب أن تؤدّى فيه ؛ لأنه كُلّف بها حينئذٍ ، ولا يكلّف بها إلّا في وقت يسع أداءها ؛ لامتناع التكليف بالمحال ، فكلّ صلاة فُعلت في الوقت الذي وقّته الشارع لها فهي أداء.
فقد ظهر لك من هذا كلّه أن مَنْ أدرك من الوقت قدر ركعة وجبت عليه تلك الفريضة أداءً ، وأنه إذا لم يبقَ عن الغروب إلّا قدر أداء العصر فقد خرج وقت الظهر واختصّت العصر بالوقت إلى ألّا يبقى عن الغروب قدر ركعة فيخرج وقتها ، وأنه إذا لم يبقَ عن الانتصاف إلّا قدر أداء العشاء فقد خرج وقت المغرب واختصّت العشاء بباقي الوقت إلى ألّا يبقى عن الانتصاف قدر ركعة فيخرج وقت العشاء أيضاً ، وأنه ما إن بقي من وقت الصلاة قدر ركعة فهي واجبة أداءً كلّها ، وأنه إذا لم يبقَ من الوقت قدر ركعة تامّة فقد خرج وقت أداء الصلاة إجماعاً.
وعن السيّد المرتضى : أنه إذا بقي من آخر الوقت ركعة فالصلاة حينئذٍ قضاء كلّها ، محتجّاً بأن أجزاء العبادة مقابلة لأجزاء الوقت ، فالركعة الأُولى قد فُعلت في
__________________
(١) تهذيب الأحكام ٢ : ٢٨ / ٨٢ ، الإستبصار ١ : ٢٦٣ / ٩٤٥ ، وسائل الشيعة ٤ : ١٨٤ ، أبواب المواقيت ، ب ١٧ ، ح ٤.