فلو قلنا : إن المفردة تجب على النائي بأصل الشرع ، لكنّا ربّما أوجبنا عليه عمرتين بأصل الشرع ، كما لو استطاع للمفردة فأتى بها ثمّ استطاع للحجّ ، بل ربّما كان ذلك في عام واحد ، وهذا خلاف ما عليه الفرقة فتوًى وعملاً في سائر الأعصار. فحينئذ إمّا أن نوجب على من استطاع للمفردة من أهل الآفاق عمرتين بأصل الشرع ، أو نسقط عنه فرض التمتّع ، وكلاهما خلاف الإجماع والنصّ. فهو مخالف لنصّ الكتاب والسنّة والإجماع.
ولذا ترى كلّ من تكلّم في أحكام العُمرة يقول : العُمرة واجبة بأصل الشرع في العمر مرّة بشرط الاستطاعة ، ثمّ يقسّمها إلى متمتّع بها ومفردة ، ويحكم بأن المتمتّع بها فرض من نأى ، والمفردة فرض حاضري المسجد.
ولهذا لمّا كان في عبارة ( الشرائع ) ما يوهم شبه التدافع ، تعرّض الشهيد في الشرح لكشفه قال المحقّق بعد أن قال : ( وشرائط وجوبها شرائط وجوب الحجّ ومع الشرائط تجب في العمر مرّة ، وقد تجب بالنذر ).
وذكر ما في أسباب وجوبها وعدد أفعالها الواجبة ، ثمّ قال ـ : ( وتنقسم إلى متمتّع بها ومفردة ؛ فالأُولى تجب على من ليس من حاضري المسجد الحرام ، ولا تصحّ إلّا في أشهر الحجّ وتسقط المفردة معها ) (١).
قال الشارح قدسسره : ( يفهم من لفظ السقوط أن المفردة واجبة بأصل الشرع على كلّ مكلّف ، كما أن الحج مطلقاً يجب عليه ، وأنها إنما تسقط عن المتمتّع إذا اعتمر عمرته تخفيفاً ، ومن قوله : ( والمفردة تلزم حاضري المسجد الحرام ) ، عدم وجوبها على النائي من رأس ، وبين المفهومين تدافع ظاهر ، وكأن الموجب لذلك كون عُمرة التمتّع أخفّ من المفردة ، وكانت المفردة بسبب ذلك أكمل ، وهي المشروعة بالأصالة
__________________
(١) شرائع الإسلام ١ : ٢٧٤ ـ ٢٧٥.