كأنهم من أهل مكّة ، وأهل مكّة لا متعة لهم ، فأحببت أن يخرجوا من مكّة إلى بعض المواقيت ، وأن يستغبّوا بها أيّاماً. فقال لي وأنا أُخبره أنها وقت من مواقيت رسول الله صلىاللهعليهوآله : يا أبا عبد الله ، فإني أرى لك ألّا تفعل. فضحكت وقلت : ولكنّي أرى لهم أن يفعلوا (١) الخبر.
وصحيح الحنّاط : قال : كنت مجاوراً بمكّة ، فسألت أبا عبد الله عليهالسلام : من أين أُحرم بالحجّ؟ فقال من حيث أحرم رسول الله صلىاللهعليهوآله من الجعرانة (٢).
وفي ( الفقيه ) اعتمر رسول الله صلىاللهعليهوآله ثلاث عمر متفرّقات كلّها في ذي القعدة : عمرة أهلّ فيها من عسفان وهي : عمرة الحديبية وعمرة القضاء ، [ أحرم (٣) ] فيها من الجحفة ، وعمرة أهلّ فيها من الجعرانة ؛ وهي بعد أن رجع من الطائف من غزاة حنين (٤).
وبالجملة ، فإنا لا نعلم خلافاً بين الأُمّة في أن رسول الله صلىاللهعليهوآله أحرم بعد منصرفه من الطائف بالعمرة المفردة من الجعرانة ، وليس بخارج من الحرم لها بالضرورة ؛ لأن ذلك بعد واقعة هوازن ، ومضيّه بعدها إلى الطائف فحاصرها ، ثمّ رجع إلى الجعرانة ، وقسّم غنائم هوازن فيها ، ثمّ أحرم بالعمرة منها ودخل مكّة.
وفي تعليل الفقهاء أفضليّة الإحرام لمن أراد العُمرة ممّن هو في الحرم من الجعرانة ، بأن رسول الله صلىاللهعليهوآله أحرم منها ، يعنون به تلك الواقعة ، دليلٌ على أنهم لا يشكّون في أن أدنى الحِلّ محرم اختياريّ للمفردة ، سواء في ذلك الخارج لها من الحرم والداخل بها من خارجه ، ولم ينقلوا خلافاً ، ولا توقّفاً لأحد فيه ، ولا استشكال ؛ لأنهم كلّهم يعلمون أن رسول الله صلىاللهعليهوآله اعتمر من الجعرانة وهو قادم من خارج الحرم ، ولعلّ تركه الإحرام فيها من قرن المنازل ؛ لأنه لم يكن حين مرّ به قاصداً دخول مكّة ، وإنما قصد الاعتمار بعد أن قسّم غنائم هوازن ، وفيه بيان أن
__________________
(١) الكافي ٤ : ٣٠٠ / ٥ ، وسائل الشيعة ١١ : ٢٦٧ ـ ٢٦٨ ، أبواب أقسام الحجّ ، ب ٩ ، ح ٥.
(٢) الكافي ٤ : ٣٠٢ / ٩ ، وسائل الشيعة ١١ : ٢٦٨ ، أبواب أقسام الحجّ ، ب ٩ ، ح ٦.
(٣) من المصدر ، وفي المخطوط : « أهل ».
(٤) الفقيه ٢ : ٢٧٥ / ١٣٤١ ، وسائل الشيعة ١١ : ٣٤١ ، أبواب المواقيت ، ب ٢٢ ، ح ٢.