وأمّا قوله رحمهالله : ( إن التحلّل بأفعال العُمرة إنما ثبت مع فوات الحجّ لا مع بطلان النُّسُك مطلقاً ) (١) ، فقد عرفت وجه ضعفه ؛ فإن من تلبّس بإحرام العُمرة المتمتّع بها ، ثمّ تبيّن أنه لا يدرك الحجّ قبل فعلها ، وجب عليه التحلّل بالمفردة ؛ إذ لا متعة بدون حجّها. لا نعلم فيه مخالفاً ، وعمل الفرقة على ذلك في سائر الأعصار من غير نكير. ودلالة الأخبار وقوانين الفن عليه غير عزيزة ؛ كما في صحيحتي ابن عمّار (٢) السابقتين.
وأمّا أصالة عدم توقّفه على ذلك بعد تلبّسه بالإحرام الصحيح ، فممنوعة. وأصالة بقائه على حكم الإحرام فيما وجب وحرم ، واستصحاب شغل ذمّته بما أوجبه الإحرام وحرّمه بيقين ، وكون العبادات كيفيّات متلقّيات ، سند المنع. على أن جريان أصالة الإباحة والعدم في كيفيّات العبادات المتلقّيات بعد ثبوتها ممنوع ، خصوصاً في مثل المقام بعد التلبّس بالإحرام ، فليست الأخبار خالية من الدلالة عليه كما قال ، مع قيام الإجماع عليه أيضاً.
هذا إذا كان ترك الطواف عمداً ، أمّا لو تركه نسياناً ، وجب عليه تداركه بنفسه مع المكنة على الأشهر الأظهر ؛ لأصالة عدم كفاية نيابة الغير في التكاليف العينيّة ، ولاستصحاب شغل ذمّة المكلّف بما كلّف به اليقينيّ حتّى يحصل الناقل عنه. فإن شقّ ولم يستطع تداركه بنفسه استناب من يقضيه عنه مع ركعتيه في ظاهر الفتوى ، وتدلّ عليه صحيحة عليّ بن جعفر (٣) المتقدّمة.
وإنما حملنا إطلاق قوله فيها ووكّل من يطوف عنه ما تركه ، على من شقّ عليه
__________________
(١) مدارك الأحكام ٨ : ١٧٥.
(٢) للصحيحة الاولى انظر : الفقيه ٢ : ٢٨٤ / ١٣٩٤ ، تهذيب الأحكام ٥ : ٢٩٤ / ٩٩٨ ، الإستبصار ٢ : ٣٠٧ / ١٠٩٥ ، وسائل الشيعة ١٤ : ٤٩ ، أبواب الوقوف بالمشعر ، ب ٢٧ ، ح ١.
وللصحيحة الثانية انظر : التهذيب ٥ : ٢٩٥ / ٩٩٩ ، الإستبصار ٢ : ٣٠٧ / ١٠٩٦ ، وسائل الشيعة ١٤ : ٥٠ ، أبواب الوقوف بالمشعر ، ب ٢٧ ، ح ٣.
(٣) تهذيب الأحكام ٥ : ١٢٨ / ٤٢١ ، الإستبصار ٢ : ٢٢٨ / ٧٨٨ ، وسائل الشيعة ١٣ : ٤٠٥ ـ ٤٠٦ ، أبواب الطواف ، ب ٥٨ ، ح ١.