والإظهار للأُمور المذكورة ربّما يكون واجباً ، وربّما يكون مستحبّاً ، وربّما يكون مباحاً. نعم ، إن كان رياء أو سمعة ، فهو حرام البتّة ، بل ومفسد للعمل.
أقول وبالله المستعان ـ : قد عرفت فيما تقدّم أنه متى كان لشهوة الإنسان أو شهوة غيره مدخليّة في الباعث على العبادة ، بطلت لمنافاتها ما أمر الله به من العبادة بالإخلاص ، سواء كانت الشهوة هي الباعث وحدها أو كانت جزء الباعث. بل قد عرفت أن الإخلاص لا يمكن كونه جزء الباعث ، بحيث يتركّب الباعث منه ومن غيره ، وأنه محال.
ولا شبهة في أن من عمل لمجرّد تحصيل الثواب في الآخرة أو الدنيا عاملٌ عملاً الباعثُ عليه شهوةُ نفسِه ، فعبارته تعمّ ذلك ، فلا يخلو من نوع منافرة. وقد عرفت حال الرياء والعجب والسمعة وأنها أنواع من الرياء ، وعرفت أثرها في العبادة قبلاً وفي الأثناء وبعداً ، وأمّا إظهار العمل فربّما أمر الشارع به كإظهار الزكاة ، والصلاة في المساجد ، وصلاة الجماعة والجمعة والعيدين والاستسقاء وصلاة الليل في بعض الأحوال وغير ذلك.
فالعامل يجب أن يلاحظ فيما يظهره أو يخفيه موافقة إرادة الله ومحبّته وامتثال أمره في حالَيْه ، فإن الله كما يحبّ أن يعبد سرّاً يحبّ أن يعبد جهراً ، وقد أمر أن يعبد سرّاً وجهراً. فيجب أن يلاحظ العابد موافقة إرادة الله منه في إسراره وإعلانه فيظهر الزكاة الواجبة ويسرّ المندوبة مثلاً ، وهو في كلّ من الصفتين يبتغي وجه الله ورضاه وما أحبّه منه ، ويراعي فيما لم يدلّ الدليل فيه على أحد الوجهين أخلصهما لله وأقربَهما من مرضاة الله وأحبّهما إلى الله تعالى ، كأن يكون في إظهار العمل سبب للاقتداء به ، أو إخراج بعض الجاهلين من أسر الجهالة ، أو إيقاظ بعض الغافلين من رقدة الغفلة عن طاعة الله ولها وبها ، أو يكون في إسراره إبعاد للشيطان عن وسوسة الرياء والسمعة أو العُجب ، أو في إظهاره نفي العُجب ، فإنه ربّما كان الإسرار سبباً