وجوده في مقابلة الرتبة الأدنيّة التي تشخّص فيها بجميع حدوده ، وهذه غير تلك.
والدليل على هذا من الأخبار لا يُحصر ؛ لكثرته جدّاً ، وأيّده الاعتبار.
وأنت إذا تتبّعت جميع أبحاث الفقه من الطهارة إلى الحدود والديات ، وجدتها بأجمعها مستفيضة الدلالة على هذا ، ومضامين الأخبار المؤيّدة بالاعتبار دالّة عليه ، مثل إنما الأعمال بالنيّات وإنما لكلِّ امرئ ما نوى.
فإذا أمرك الله تعالى بصلاة ركعتين مثلاً على سبيل الفرض بعد الطواف ، ونويت ركعتين مثلاً في الجملة ، ولم تلاحظ في نيّتك وصفهما بالوجوب وأنهما ركعتان من الطواف ، لم تنوِ ما فعلته ، ولم يطابق ما نويت. وكيف يُتصوّر كمال المطابقة بين المتشخّص الجزئيّ من كلّ وجه للكلّيّ ، أو المجمل ولو بوجه ، بحيث يكون هو هو من كلّ وجه.
وبيان هذا البحث يحتاج إلى بسط واسع ، والمقام لا يسعه. وما ذكرناه لك قانون كلّيّ ينفعك في موارد كثيرة ، وأرجو من الله أن يمدّ لي في التوفيق لإملاء رسالة مبسوطة في جزئيّات النيّات ، برحمته إنه جواد كريم.
وهذا آخر ما أردنا إملاءه في مسألة ضميمة طلب الثواب والهرب من العقاب في نيّة العبادة ، وقد جعلتها هدية لحضرة سيّد العالم السلطان الأعظم : عجّل الله بنشر ظلال عدله على جميع الخلائق فإن قبلها على حقارتها فهو أهل الرحمة ، وإن ردّها فبذنوب مؤلّفها الأقلّ أحمد بن صالح بن سالم بن طوق : ، وهو أكرم من أن يخيب راجيه.
انتهى بعصر اليوم الثالث عشر من شهر صفر سنة (١٢٤٣) (١) بقلم مؤلِّفها غفر الله له ولوالديه ، ولجميع إخوانه المخلصين ، وصلّى الله على محمَّد : وآله وسلم ، والحمد لله ربِّ العالمين كما هو أهله (٢).
وافق الفراغ من نساخة هذه الرسالة ضحى يوم الخميس اليوم السابع من شهر رجب
__________________
(١) في « م » بعدها : ( والحمد لله ).
(٢) ورد في ذيل هذه العبارة قوله : ( هذه صورة خَطِّ المصنّف شكر الله سعيه ) والظاهر أنها من الناسخ.