فظهر أن الخلاف الذي ذكره الشيخ زين الدين : في ( التمهيد ) يجب أن يخصّ بهذا القسم ؛ إذ لا ينبغي الشكّ في عدم مشروعيّة تكرار القسم الأوّل.
فنقول : لو صلّى على الجنازة واحد أو أكثر دفعة ، شرع لمَنْ يأتي بعد كمالها أن يصلّي عليها أيضاً بلا شكّ ؛ لما ذُكر من الأخبار وللإجماع ، ولأنه عمل المسلمين جيلاً بعد جيل في سائر الأعصار والأمصار ؛ ولأنه الثابت من صلاة الصحابة على النبيّ صلىاللهعليهوآله : بلا نكير من وصيّه عليهالسلام.
وكذلك لو سلّم واحد على متعدّد فردّ عليه واحد مثلاً شرعَ لغيره الردّ بعد كمال ردّ الأوّل بلا شكّ ، وعمل امّة محمَّد صلىاللهعليهوآله : على ذلك في سائر الأزمان بلا معارض ولا نكير فيهما.
فحينئذٍ : هل ينوي الآخر بصلاته ، أو ردّه السلام الوجوب ، أو الندب؟ قولان ، وعلى الأوّل وهو الوجوب ظاهر الشهيد : في ( القواعد ) و ( الذكرى ) قال في ( القواعد ) : ( ينبغي أن ينوي في الأشياء المحتملة للوجوب الوجوب ، كتلاوة القرآن ، إذْ حفْظه واجب على الكفاية ، وربّما تعيّن على الحافظ له ؛ حذراً من النسيان ، وكطلب العلم ؛ فإنه فريضة على كلّ مسلم ، وكالأمر بالمعروف إن قام غيره مقامه. وبالجملة ، فروض الكفاية كلّها.
وتجب نيّة الوجوب حيث يتعيّن عليه ، وفي ترك الحرام ينوي الوجوب ، وفي فعل المستحبّ وترك المكروه ينوي الندب ، والله الموفّق ) (١) ، انتهى.
وذلك لأن الظاهر أنه أراد بـ ( ينبغي ) الأحوط ، أي أن الاحتياط المبرئ للذمّة من عهدة التكليف بيقين هو نيّة الوجوب في كلّ واجب كفائيّ مع قيام الغير به. وهذا احتياط وجوبيّ لا يجوز غيره ؛ لعدم يقين الخروج من العهدة بغيره ، ولا يريد به نيّة
__________________
(١) القواعد والفوائد ١ : ١١٧ ـ ١١٨ / القاعدة التاسعة والثلاثون ، الفائدة الثانية ، ق ١ ، ف ٢٦.