فإن ظاهر إطلاق السقوط يقتضي عدم المشروعيّة ، ولا قائل بعدم مشروعيّة تكرار الصلاة على الجنازة من شخصين ، ولا تكرار ردّ السلام كذلك ، فلم يبقَ إلّا القول بوجوب ملاحظة نيّة الوجوب في فعل الشخص الثاني ، للردّ والصلاة ، وأمّا نيّة الاستحباب حينئذٍ فلا دليل يظهر عليها.
والعبادات لا تشرع إلّا كما أمر الله تعالى وأحبّ ، وهو الذي قسّمها برحمته وحكمته إلى واجب ومندوب بحسب قسمته الوجود إلى ذلك ، فإن فيه ما هو متمّم ومكمّل ، وفيه ما هو واجب بالذات. فالواجب لا تنقلب حقيقته إلى الندب ، ولا الندب إلى الوجوب بفعل بعض المكلّفين ، وما بالذات لا يزول ، ولا دليل هنا على انحلال ما وجب على جميع المكلّفين غير الفاعل الأوّل ، وانقلابه إلى الندب بعد فعل العامل الأوّل.
بل لو تأمّلت حقّ التأمّل لوجدتَ القول بذلك هو بعينه قول بعض الشافعيّة بأن الكفائيّ إنما وجب على واحد غير معيّن يرجع تعيينه إلى اختيار المكلّفين. وهو واضح الاستحالة والفساد ؛ لما عرفت ، ولأن أدلّة التوحيد تدفعه ؛ لمنافاته لها. فتأمّل المقام بقلب خالٍ من الشبهة والشكّ ، واعرف الرجال بالحقّ لا الحقّ بالرجال ، ثبّتنا الله وإيّاك على الصراط المستقيم ، والحمد لله ربّ العالمين.
بقي هنا إلحاقة تكمل بها الرسالة ، فيها تنبيهات :
الأوَّل : تَفَطّنْ في قول العلّامة : وغيره في الجواب عن شبهة بعض الشافعيّة المذكورة : إن ما ذكره الشافعيّة حدّ الواجب العينيّ أمّا المخيّر فلا.
فإنه عنى بالمخيّر الكفائيّ ، ففيه إشارة إلى أن الكفائيّ تخييريّ بوجه. وفي هذا انسٌ لك فيما قرّرناه سابقاً وأوضحناه ، ووسيلة لقبوله ، وبه يتّضح معنى عبارة العلّامة : وأضرابه هنا.
الثاني : سقوط الكفائيّ عن المخاطبين به بفعل بعضهم ، هل مناطه الظنّ ، أو العلم؟