إذن ثمّة إسراء ، بل الإسراء قد انقطع دون ذلك ، ولم يبقَ سير ، بل السير يكون أيضاً إلى غاية ينقطع دونها ، ولا تبقى إلّا حركة جوهريّة ، فليس عند ربّك صباح ولا مساء.
هذا إن اعتبرنا مطلق الليل ، وإن اعتبرنا كمال الليل ، وهو الليل المعهود فذاك لا يجاوز الأثير ، بل ينقطع في الجملة دونها. وعلى هذا يختصّ الإسراء بمفارقته صخرة بيت المقدس ، فهي نهاية الإسراء وهو السير ليلاً.
وبعبارة اخرى : الإسراء : هو السير في الليل كما عرفت ، والليل أيضاً هو عالم الملك ، لما فيه من شوب ظلمة الجسمانيّات وإن ضعفت.
وقلت في بعضها ونهايتها : سيره صلىاللهعليهوآله إلى البيت المعمور الكائن في السماء السابعة وهو الضراح (١) أو في السماء الرابعة على اختلاف الروايات بلا تنافٍ. فإن الأوّل باطن الثاني ، والنسبة بينهما كما بين النفس الحيوانيّة الإنسانيّة والحواسّ الخمس الدماغيّة (٢) ، وهو أوّل الملكوت ، وهو من الجبروت كالساعة الفجريّة من الليل والنهار. وهناك ينتهي الإسراء وتظلّه الشمس التي هي حقيقة الشمس الحسّيّة الوجوديّة ، وهي حينئذٍ على دائرة نصف ذلك النهار ؛ ولذا صلّى صلىاللهعليهوآله بهم الظهر ظهر الجمعة هناك ، لأنه جمعة ذلك الأُسبوع الجامع لمختصّات سائر أيّامه من أرضه ونباتها وأقواتها ، المخلوقة في يومين من اسبوعه وسماواته السبع.
وبالجملة ، فالإسراء مغيّا بما هو سير في ليل ، ولا تنافيَ بين تجديد الإسراء وكونه صلىاللهعليهوآله مرّ على جميع العوالم ؛ فالإسراء نهايته المسجد ، والمعراج عامّ أو خاصّ ببيت المقدس على اختلافه ؛ منه عامّ ومنه أعمّ ، ومنه خاصّ ومنه أخصّ ، والله العالم.
__________________
(١) تفسير القمّيّ ٢ : ٩.
(٢) وهي القوى الخمس الباطنة التي تنشأ من مقدَّمة الدماغ ، كما في الحكمة المتعالية في الأسفار العقليّة الأربعة ٨ : ٢٠٥ ، وهي : ( مدركة الصور « الحس » ، والمصوِّرة « الخيال » ، والمتصرّفة في المدركات « متفكِّرة » ، ومدركة المعاني « المتوهِّمة » ، والحافظة « الذاكرة » ). للمزيد راجع الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة ، والإشارات والتنبيهات ٢ : ٣٣١ ـ ٣٣٢.