بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المؤلف
بذكر الله نَفْتَتِح ، وبنوره سُبحانه نَقْتدح ، وبما أفاضه علينا من نُورِيَّة إلهامِه نهتدِى ، وبما سَنَّه لنا نبيُّه المُقْتفَى ، ورسولُه المصطفَى ، من فُروض طاعته نقتدِى. نحمَدُه بآلائه ، ونصلى على عاقب أنبيائه ، ونَسأله خيرَ ما يَخْتِم ، وأفضلَ ما به لهذه النفوس يَحْتِم ؛ ربَّنا لا تُسلِّط ما وكَلْته بنا من النقائص الإنْسانية ، على ما أفضْته علينا من الفضائل الرُّوحانية ، ولا تُغَلِّب ما كَدُر من طباعنا وكَسُف ، على ما رَقَّ من أوضاعنا ، فشرُف ولَطُف بل كن أنتَ الحَفِىَّ بنا ، والوَلِىَّ فى الحَيْطة لنا ، هادِيَنا إلى أفضل ما يُعْتَمد ، ومُسَدِّدَنا إلى أعدل ما يُقتصَد (١) ، إن قَصَّرتْ أعمالُنا عن واجب الطاعة ، بحسَب ما وكَلْته بنا من نُقصان الاستطاعة ، فصِلْ قاصرَها بعَطْفتك ، وكن ناصرَها برأْفتك ، ما دامت نفوسُنا مُعْتَلِقَةً (٢) لأنفاسنا ، وأرواحنا مرتبطة بأشباحنا ؛ فإذا تناهت علائق مُدَدِنا ، وتدانت مَناهى أمَدِنا ، فأردتَ تحْليلَنا ، وأزْمَعْت كما شئت (٣) تَحويلَنا ، من دار الفناء والبُيُود (٤) ، إلى المخصوصة من الدارين بأَبديَّة الخُلود ، عند استحالة الأكوان التى لم تهيئْها للإدامة ، ولا بَنَيْتَ أوضاعَها على السَّلامة ، فأَدْنِ ذَواتِنا إلى ذاتك. وصل حَياتَنا بأبَدِىّ حَياتك (٥) ، وفَرِّحْنا (٦) بجوارك ، وأمِدَّ أرواحنا بسُبُحَات (٧) أنوارك ، وأوْطِئْنا مِهادَ رُحْماك ، وأوْرِفْ علينا سابغاً من جنات نُعماك ، وبَوِّئْنا سطَةَ (٨) دار السلام ، التى وصَلْتَ صفاءَ نعيمها بالدّوام ، واغفر هنالك فادحَ ذنوبنا ، كما تَفَضَّلْتَ (٩) أن تتغَمَّد هُنا قادحَ عُيوبنا ، إنك ذو الرحمة التى لا يُطاوَلُ باعُها ، والنِّعمة التى لا تُحْصَى بعدَدٍ أنواعُها.
__________________
(١) فى بعض النسخ : ما يعتقد.
(٢) اعتلقه : أى أحبه ، وفى بعض النسخ : متعلقة.
(٣) فى بعض النسخ : بقدرتك.
(٤) باد الشىء يبيد بَيْداً وبَيَاداً وبُيوداً وبَيْدودة : انقطع وذهب.
(٥) قوله : « فأدن ذواتنا إلى ذاتك ، وصل حياتنا بأبدى حياتك » ، يوهم الاتحاد : اتحاد المخلوق بالخالق الذى زعمه الصوفية ، فاحذره.
(٦) فى بعض النسخ : وكرمنا.
(٧) سبحات وجه الله ـ بضم السين والباء ـ : أنواره وجلاله وعظمته.
(٨) يقال : وسَطْتُ القوم أسطهم وسطا وسطة ، أى : توسطتهم. والمعنى هنا : أنزلنا وسط دار السلام.
(٩) فى بعض النسخ : أسألك.