التجريد من الضمير ، فأما قول أبى ذُؤَيْب :
فكأنها بالجِزْعِ جِزْعِ نُبايِعٍ |
|
وأُلاتِ ذِى العَرْجاءِ نَهْبٌ مُجْمَعُ (١) |
فإنه صَرَف للضرورة ، ولم يمكنه نُبايعَ ، لأن قوله : « يِعِنْ » من نُبايِعٍ : « عِلِنْ » وهو وَتِد ، والأوتاد لا تُزاحَف إلَّا بالقطع ، لم يفهم قولى هذا إلا أن يكون نحويّا عَرُوضِيّا. وكذلك إذا قلت له فى بيت عبد الرحمن بن حسَّان :
وكنتَ أذلَّ مِنْ وَتِدٍ بقاعٍ |
|
يُشَجِّجُ رأسَهُ بالفِهْرِ وَاجِ (٢) |
إن تخفيف « واجِى » بَدَلىّ هنا ؛ لأن الهمزة المخفَّفة تخفيفا قياسيَّا فى حكم المحققة ، والمحققة لا يُوصل بها ، فكذلك المخففة إذا كانت فى نية المحققة ، لم يُوصَل بها ، لم يَلْقَن هذا عنى إلى أن يكون عالما بالنحو والقوافى ، ومَدَارُ كلّ ذلك قراءة النصف الأخير من كتاب سيبويه ، لأن كل ذلك مردود إليه ، ومعوَّل فيه عليه.
وأمَّا ما ضَمَّناه كتابنا هذا من كتب اللغة : فمصنفُ أبى عُبَيد ، والإصلاحُ ، والألفاظ ، والجَمهرة ، وتفاسيرُ القرآن ، وشروحُ الحديث ، والكتابُ الموسوم بالعين ، ما صحّ لدينا منه ، وأخذناه بالوَثيقة عنه ، وكُتُبُ الأصمعىّ ، والفراء ، وأبى زيد ، وابن الأعرابىّ ، وأبى عُبَيدة ، والشَّيبانىّ ، واللِّحيانىّ ، ما سَقَط إلينا من جميع ذلك ، وكُتُبُ أبى العبَّاس أحمد بن يحيى : المجالِسُ ، والفصيحُ ، والنوادرُ ؛ وكتابا أبى حنيفة ، وكُتبُ كُراعٍ ، إلى غير ذلك من المختصرات ، كالزّبرج ، والمُكَنَّى ، والمُبَنَّى ، والمُثَنَّى ، والأضداد والمُبدَل ، والمقلوب ، وجميع ما اشتمل عليه كتاب سيبويه من اللغة المعلَّلة العجيبة ، الملخَّصة الغريبة ، المُؤْثَرَة لفضلها ، والمُسْتَرادِ لمثلها ، وهو حَلْى كتابى هذا وزَينُه ، وجمالُه وعَيْنُه ، مع ما أضفته إليه من الأبنية التى فاتت كتاب سيبويه مُعَلَّلة ، عربية كانت أو دخيلة.
وأما ما نثرت عليه من كتب النحويين المتأخِّرين ، المتضمنة لتعليل اللغة ، فكتب أبى علىّ الفارسىّ : الحَلَبيَّات ، والبَغْداديات ، والأَهْوَازِيَّات ، والتَّذْكِرَة ، والحُجَّة ، والأغفال ، والإيضاح ، وكتاب الشعر. وكُتُب أبى الحسن بن الرُّمَّانىّ ، كالجامع ، والأغراض ، وكُتُب أبى الفتح عثمانَ بن جنى ، كالمغرِب ، والتمَّام ، وشرحه لشعر المتنبى ، والخصائص ، وسرّ
__________________
(١) البيت لأبى ذؤيب الهذلى فى شرح أشعار الهذليين ص ١٧ ؛ ولسان العرب ( بيع ) ، ( جمع ) ، ( نبع ) ؛ وجمهرة اللغة ص ٣٦٨ ، ٤٨٤ ؛ ومقاييس اللغة ( ١ / ٤٨٠ ، ٤ / ٣٠٣ ) ؛ والمخصص ( ١٦ / ٤٥ ) ؛ ومجمل اللغة ( ١ / ٤٥٩ ) ؛ وتهذيب اللغة ( ١ / ٣٩٧ ، ٣ / ٨ ) ؛ وتاج العروس ( بيع ) ، ( جزع ) ، ( نبع ) ؛ ومعجم البلدان ( نبايع ).
(٢) البيت لعبد الرحمن بن حسان فى ديوانه ص ١٨ ؛ ولسان العرب ( وجأ ) ؛ وفيه « واجى » بدلاً من « واجِ ». إنما أراد واجئ بالهمز ، وأصله وجأت عنقه وجئًا : ضربته.