غيرَ أن الذى يقطع اعتذارى ، وإن جَدَّ فى الجدل تَحرُّزى وحِذارى ، ما سَقانى به الموفق مولاى ، من رَوِىّ (١) شمائله ، وأوردنيه من وِرْد مناهله ، وبَوَّأَنيه من عَرْش إكرامه ، وأوطَأنيه من فَرْش إنعامِه ، أدام الله سُلْطانه وعِزّته ، ولا سَلَب مُلْكَه رَيعانَه وهِزَّتَه ، ذلك إلى ما مَجَّدَتْنِى به عُقَب الأيام ، وحَسَدنى عليه جميعُ الأنام ، حتى جاشت النُّفوس غيظا ، وفاظت عن أبدانها له فَيْظا (٢) ، من صُحْبة الأمير الجليل ، « إقبال الدولة » مولاى نَثْرتِه (٣) ، نجيب النجباء ، وخير البَنين لأكرم الآباء ، مُحيى الأدب ومُقيم دولة لسان العرب ، فرعٍ من أصل ، ونوع تشكَّل من جنس وفصْل ، « لا تُنْبتُ البَقْلَةَ إلَّا الحَقْلَة » (٤) ، ذى الخِيْم (٥) الوَساع ، والقلب الشُّجاع ، والكرم المُشاع ، والذهْن الصَناع ، والرأى القَطاع ، المتَّشحِ بالمجد ، وهو فى المهد ، والمُتَّزر بالحمد ، قبل فِراق النَّهد ، فما قارب فِطاما ، حتى وضع على كلّ أنف خِطاما ، ولا شد إزارا ، حتى أغْرَقَ فى جوده اليمنَ ونزارا ، بدر طَلَع ، فذلَّت له الكواكب ؛ ووَطِئَ الأرض ، فاهتزّت له منها المناكب ؛ يقول فيُسْمِع ، ويَمْضِى فيُسْرِع ، ويضرب فى ذات الإله فيُوجِع ، فَلْيرْغَمْ أنفُ من رَغَمْ ، فمن أشبه أباه فما ظَلَم (٦). زاد الله عزّه عُلُوّا ، ومُلكه نُمُوّا ، ولا أسأَرَتْ (٧) له الأيامُ عَدُوّا ، ونَسَألَهُ فى أجَل « الموفق » المَلِك الأجَلّ ، قِوامِ الدُّنيا ، ونظام السُّؤْدُد والعَلْيا.
وصلى الله على « محْمَّد » خَاتم النَّبِيِّين ، وأهله الطَّاهِرين ، وأصحابه المُنْتَخَبين ، وأزواجه أُمَّهات المؤمنين ، وسَلَّم تسليما.
تمت الخطبة
__________________
(١) فى بعض النسخ : رضى.
(٢) فاظ الرجل وفاظت نفسه فيظًا : خرجت روحه.
(٣) النثر : الدرع السلسلة الملبس.
(٤) قال ابن منظور فى اللسان ( حقل ): « قال أبو عبيد : الحقل القراح من الأرض ، ومن أمثالهم : لا ينبت البقلة إلا الحقلةُ ، ... قال ابن سيده : وأراهم أنثوا الحقْلة فى هذا المثل لتأنيث البقلة أو عنوا بها الطائفة منه.
(٥) الخِيم : الشمية والطبيعة والخلق والسجية.
(٦) أخَذه من قول رؤبة :
سألتُ حبيبى الوصلَ منه دُعابَةً |
|
وأعْلَمُ أنَّ الوصل ليس يكونُ |
فمَاسَ دلالاً وابتهاجاً وقال لى |
|
برفقٍ مجيباً ( ما سألتَ يَهُونُ) |
وهو فى ديوانه ص ١٨٢.
(٧) أى لا أفضلت ولا أبقت من أسأر سُؤْرًا.