والاَظهر عندي أنّه لا دليل على رجوع الضمير في قوله تعالى : (بلغت) إلى الروح ، ويحتمل قوياً رجوعه إلى الحياة الاِنسانية القائمة بجميع البدن والرأس الناشئة من الروح كما ذكرنا قبيل هذا ، ومع هذا الاحتمال لا يبقى مستمسك لمن يظن أنّ الروح داخلة في البدن وتخرج منه خروج جسم من جسم. وأما قوله تعالى في حق مجاهدي غزوة الخندق : ( وبلغت القلوب الحناجر ) (١) ، فلا تكون قرينة على أنّ الضمير في الآيتين المشار إليهما أيضاً يرجع إلى القلوب ، على أنّه أيضاً كناية جزماً ، والله أعلم وهو الهادي.
(٨)
الروح مجرّدة أو جسم لطيف؟
ذهب جمع من المتكلّمين إلى أنها جسم لطيف ، وذهب جمع من الحكماء إلى أنّها مجردة عن المادة ولواحقها كالزمان والمكان ، بل مال الحكيم السبزواري رحمه الله تبعاً لشهاب الدين السهروردي شيخ الاِشراق إلى انها لا ماهية لها أيضاً (٢) ، وقبوله بل تصوّره مشكل.
فالروح على المشهور عند الحكماء جوهر مجرد له نحو اتصال وعلاقة بالبدن ، وقد اُقيمت عليه دلائل عقلية وعلمية ، ولا بأس بالاعتماد على مجموعها ومن شاء فليراجع إلى محالها فان نقلها وتفصيلها لا تناسب هذا الكتاب ، والله سبحانه وتعالى أعلم بحقائق الاُمور وبواطن الاَشياء.
__________________
(١) الاحزاب آية ١٠.
(٢) شرح المنظومة.