أقول : لم يكن للقدماء من الفلاسفة وغيرهم علم تجربي دقيق بخصوصيات الحيوانات وانما يعرفون منها أُمور كلية عامة لا غير ، فلا اعتماد بآرائهم في جميع الموضوعات التي لا تعرف بمجرد العقل ، ولذا أخطأوا خطأ كثيراً في الاجسام العلوية والافلاك والنجوم ، وأصبح اليوم معرفة الشباب المتعلمين بالسماويات أكثر من معرفة الفارابي وابن سينا والسهروردي وصدر الدين الشيرازي وسائر مشاهير الفلسفة ، ولعله لا لوم على أحد إذا ادّعى أنّه لا معرفة صحيحة لهؤلاء الحدسيين من الفلاسفة بالسماء وكواكبها ونجومها وما يتعلق بها أصلاً!!! وعلة الاشتباه أنهم غلطوا في تمييزهم بين حدود الفلسفة والعلوم فحاولوا اثبات ما يحتاج اثباته الى الحس والتجربة بالعقل المجرد وظنوا أنّ لهم الصلاحية في جميع أقسام العلوم؛ كما أنّ المادّيّين اليوم مشوا على عكس ذلك ، فإذا لم يجدوا شيئاً في حقلهم العلمي نفوه مطلقاً تخيلاً منهم انّه لا حقائق خارج الحس. والحق أنّ للحس مداراً خاصاً وللعقل مركزاً خاصاً ، ولا بد من مراعاة ذلك حتى لا يضل الباحث ولا يطمث معالم الحق ، وتفصيل البحث في محله.
وعلى كلّ مجموع هذه الخواص يكفي لتمييز الانسان عن الحيوان ، ولا نستطيع أنْ ندّعي أنّ شيئاً من تلك الخواص لا يوجد في الحيوانات ، بل البحوث الحديثة تثبت خلاف ذلك ، وربما تثبت التجربة العلمية في المستقبل حقائق أهم وأكثر وأعجب للحيوانات مما أكتشفته لحد الآن.
والذي أراه مميزاً جوهرياً بين الانسان والحيوان بعد اشتراكهما في الاحساس والحركة الارادية وجملة من الاَُمور الاُخر هو تعلق الروح بالانسان المستتبع لقدرته على الادراكات الكلية الكثيرة التي أوجبت تحول حياة الانسان من المرحلة الابتدائية المظلمة الشبيهة بحياة الحيوانات إلى