وهذا من تمام حكمة الرب عز وجل ، وتمام ربوبيته ، فإنه كما ابتلى عباده بالأدواء ، أعانهم عليها بما يسره لهم : من الأدوية. وكما ابتلاهم بالذنوب. أعانهم عليها بالتوبة ، والحسنات الماحية ، والمصائب المكفرة. وكما ابتلاهم بالأرواح الخبيثة ـ : من الشياطين. ـ أعانهم عليها بجند من الأرواح الطيبة ، وهم : الملائكة. وكما ابتلاهم بالشهوات ، أعانهم على قضائها بما يسره لهم شرعا وقدرا : من المشتهيات اللذيذة النافعة. فما ابتلاهم سبحانه بشئ ، إلا أعطاهم ما يستعينون به على ذلك البلاء ، ويدفعونه به. ويبقى التفاوت بينهم : في العلم بذلك ، والعلم بطريق حصوله ، والتوصل إليه. وبالله المستعان.
فصل في هديه صلىاللهعليهوسلم في تضمين من طب الناس
وهو جاهل بالطب
روى أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجة ـ من حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ـ قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : « ـ من تطبب ـ ولم يعلم منه الطب قبل ذلك ـ : فهو ضامن » (١).
هذا الحديث يتعلق به ثلاثة أمور : أمر لغوى ، وأمر فقهي ، وأمر طبي.
فأما اللغوي ، فالطب ( بكسر الطاء ) في لغة العرب ، يقال على معان ( منها ) : الاصلاح. يقال : طببته ، إذا أصلحته. ويقال : له طب بالأمور ، أي : لطف وسياسة (٢).
قال الشاعر :
وإذا تغير من تميم أمرها : |
|
كنت الطبيب لها برأي ثاقب |
( ومنها ) : الحذق. قال الجوهري : كل حاذق طبيب عند العرب. قال أبو عبيد : أصل الطب : الحذق بالأشياء ، والمهارة بها. يقال للرجل : طب وطبيب ، إذا كان كذلك ،
__________________
(١) وأخرجه أيضا الحاكم. اه ق.
(٢) كذا بالزاد ١٠٨. وفى الأصل : « وساس ». ولعله تصحيف.